الحوار نيوز – خاص
بعد عشرين عاما بالتمام والكمال ،تعود حركة طالبان الى حكم أفغانستان بعد غياب طويل نتيجة الغزو الأميركي للبلاد في خريف العام 2001 ،وإبعاد الحركة عن السلطة.فمن هي هذه الحركة وكيف نشأت؟
نشأت الحركة الإسلامية الدينية المعروفة باسم طالبان في ولاية قندهار الواقعة جنوب شرق أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994م، على يد الملا محمد عمر، وهو أبو طالبان حيث رغب في “القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان”، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرًا لهم عام 1994م.
فبعد سقوط الجمهورية الديموقراطية الأفغانية التي دعمها الاتحاد السوفييتي في عام 1992م، تردت الأوضاع في أفغانستان وشاع قانون الغاب بين القوى الأفغانية المتناحرة.
وفي ربيع عام 1994م، شاع خبر اختطاف واغتصاب فتاتين عند إحدى نقاط السيطرة التابعة لأحد الفئات الأفغانية المتناحرة في قرية سانج هيسار قرب مدينة قندهار، ونمي إلى الملا محمد عمر خبر اختطاف الفتاتين فألّف قوة من 30 رجلا وسعى مع الرهط لتخليص الفتاتين، وقد نجح في عملية التخليص وقام بدوره بتعليق قائد عملية الخطف والاغتصاب على المشنقة.
فرّ الملا عمر بعد هذه الحادثة إلى بلوشستان الواقعة في باكستان وعاود الظهور مرة أخرى في أفغانستان في الخريف، إلا أنه هذه المرة كان مدججا ب 1500 من الرجال المسلحين والهدف من هذا العتاد كان لتوفير الحماية لقوافل التجارالباكستانيين لعبور الأراضي الأفغانية مرورا إلى تركمانستان، إلا أن التقارير كانت تفيد أن هذه القوافل لم تكن إلا مقاتلين باكستانيين متخفين كقوات طالبان. بهذا، تكون طالبان قد تلقت دعما ماديا، عتاديا، والتدريب اللازم من الباكستانيين.
بعد التمكن من السيطرة على قندهار وما حولها، هاجمت طالبان قوات إسماعيل خان المتمركزة في غرب البلاد، وتمكنت من السيطرة على مدينة “هيرات” في 5 أيلول/سبتمبر من عام 1995م. وفي شتاء نفس العام، حاصرت طالبان العاصمة “كابول” وأطلقت الصواريخ على المدينة وقطع الطرق التجارية المؤدية إلى مدينة كابول ،ما استدعى من كل من رئيس أفغانستان برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار المتناحرين التوقف عن القتال في ما بينهما وتوحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك طالبان. في 26 أيلول/سبتمبر من عام 1996، ترك حكمتيار ورباني كابول العاصمة واتجها شمالا وتخليا عنها لتقع في يد طالبان التي تسلمت مقاليد الأمور في العاصمة وأنشأت إمارة أفغانستان الإسلامية.
اعترفت باكستان بحركة طالبان كحكومة شرعية في أفغانستان وتلتها المملكة العربية السعودية في اليوم التالي، وآخر المعترفين في حركة طالبان كممثل شرعي في أفغانستان كان الإمارات العربية المتحدة. وكانت طالبان تتحكم بالسواد الأعظم من أفغانستان باستثناء الجزء الشمالي الشرقي الذي فرضت قوات “التحالف الشمالي” سيطرتها عليه.
لم يعترف باقي العالم بحركة طالبان كممثل شرعي في أفغانستان إلا الدول الثلاث آنفة الذكر،خاصة منظمة الأمم المتحدة التي كانت لا تزال تعد “رباني” رئيسا لأفغانستان رغم علم المنظمة بقلة حيلة رباني في السيطرة على زمام الأمور.
تلقت الحركة دعما لوجيستيا وإنسانيا من السعودية في فترة نشأتها، وتمكنت الحركة من الإمساك بزمام الأمور. وكانت السعودية وعبر لجانها الخيرية تبعث مليوني دولار سنويا لتمويل جامعتين، 6 مراكز طبية، ورعاية 4000 من الأيتام.
في 22 أيلول/سبتمبر 2001 ونتيجة ضغوط دولية من أطراف عديدة سحبت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة طالبان ،ما ترك باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة طالبان. وفي أكتوبر من العام 2001، قامت الولايات المتحدة مدعومة من قبل بلدان أخرى بغزو أفغانستان لرفض حركة طالبان تسليم أسامة بن لادن، وقامت قوات تحالف الشمال بخوض المعارك البرية وتم استبعاد حركة طالبان من دفة الحكم.
الانتماء العرقي
ينتمي معظم أفراد حركة طالبان إلى القومية البشتونية التي يتركز معظم أبنائها في شرق وجنوب البلاد ويمثلون حوالي 48% من تعداد الأفغان البالغ قرابة 27 مليون نسمة.
وتعتنق طالبان العقيدة الإسلامية السنيّة المبنية على الدليل الشرعي من القرآن والسنة الصحيحة، ويميلون إلى المذهب الحنفي، وربما يتشددون في ذلك شأنهم شأن الشعب الأفغاني ويتسامحون مع مخالفيهم من غير بني جنسهم من المذاهب السنيّة حسب توصيف الحركة لنفسها، أما التوصيف المشتهر لها فهي حركة عقائدية تقوم على الأخذ بمبادئ متشددة في تفسير الدين الإسلامي.
طالبان حركة إسلامية سنية تعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكما واحدا لا يحتمل الأخذ والرد حوله، ومن ثم يصبح تنفيذ الأحكام الشرعية لدى طالبان حتى وإن كانت هناك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها ،واجبا دينيا لا مفر من تنفيذه.
وقد تعلم أفراد الحركة في المدارس الدينية الديوبندية (نسبة إلى قرية ديوبند في الهند) وتأثروا بالمناهج الدراسية لهذه المدارس الأمر الذي انعكس على أسلوبهم في الحكم. حيث ركزت تلك المدارس على العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والسيرة إضافة إلى بعض العلوم العصرية التي تدرس بطريقة تقليدية قديمة.
يتدرج الطالب في هذه المدارس من مرحلة إلى أخرى، حيث يبدأ بالمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة فالعليا والتكميلية، وفي الأخير يقضي الطالب عاما يتخصص فيه في دراسة علوم الحديث وتسمى “دورة الحديث”، وأثناء دراسة الطالب تتغير مرتبته العلمية من مرحلة إلى أخرى، فيطلق عليه لفظ “طالب” الذي يجمع في لغة البشتوعلى “طالبان”، وهو كل من يدخل المدرسة ويبدأ في التحصيل العلمي، ثم “ملا” وهو الذي قطع شوطا في المنهج ولم يتخرج بعد، وأخيرا “مولوي” وهو الذي أكمل المنهج وتخرج من دورة الحديث ووضعت على رأسه العمامة وحصل على إجازة في التدريس.
الفكر السياسي للحركة
ترفض طالبان استعمال لفظ الديمقراطية لأن الديمقراطية تمنح حق التشريع للشعب وليس لله. ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور أو لائحة لتنظيم شؤون الدولة وترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية.
وتعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة ينتخبه أهل الحل والعقد، ولا توجد مدة محددة لتولى منصب أمير المؤمنين، ويتم عزله فقط في حالة العجز أو الموت أو إذا أتي ما يخالف الدين. والشورى كما تؤمن بها الحركة معلمة فقط وليست ملزمة، وتهتم الحركة اهتماما كبيرا بالمظهر الإسلامي كما تتصوره، فتأمر الرجال بإطلاق اللحى ولبس العمامة وتمنع إطالة الشعر وتحرم الموسيقى والغناء والصور وتمنع عمل المرأة خارج بيتها ويشرف على تنفيذ ذلك هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا تسمح الحركة بتشكيل أحزاب سياسية جديدة ولا تقبل الأحزاب الموجودة، ويقول زعيم الحركة في ذلك إنه رفضها لأنها “تقوم على أسس عرقية وقبلية ولغوية وهي نوع من العصبيات الجاهلية الأمر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس”.
اليوم عادت طالبان الى السلطة بحلة جديدة وقيادة جديدة، خلافا لما جاءت قبل 35 عاما ،وهي تطرح أفكارا جديدة للحكم ،وتنادي بحكومة تشاركية ،وتحرص على عدم إهراق الداء.
يتزعم طالبان حاليا الملّا هبة الله أخوند زاده منذ 26 مايو/ آيار 2016 ،بعد أن تم تعيينه في هذا المنصب من قبل مجلس الشورى الحركة خلفاً لزعيم الحركة السابق أختر محمد منصور الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في 22 مايو/ أيار2016.
ويقال إن أخوند زاده قاتل ضد القوات السوفيتية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان وعمل رئيساً لمحكمة عسكرية في كابول تحت حكم مؤسس طالبان وزعيمها الروحي الراحل الملا عمر.وتحت قيادة أخوند زاده وقعت طالبان اتفاق سلام تاريخي مع الولايات المتحدة في قطر في 29 فبراير/ شباط 2020 ،ووصف أخوندزاده الإتفاق بأنه “انتصار كبير” للجماعة.
هل تغيرت طالبان ،وكيف ستحكم وما هي الوظيفة الجديدة التي ستؤديها في منطقة تغلي بالتوتر؟
لعله من المبكر الحكم على على مستقبل أفغانستان في ظل “طالبان الجديدة” كما تطرح نفسها.
زر الذهاب إلى الأعلى