رأي

ما أضيق سبل العيش… لولا فسحة الأمل(أسامة مشيمش)

 

بقلم د. أسامة توفيق مشيمش – الحوارنيوز

 

عذراً يا صديقي العزيز، لربما نسيتُ ما اتفقنا عليه، ولعلك نسيت أنت أيضًا. لست ألومك، فحالي من حالك، بل لعل وضعي اليوم أسوأ مما كان عليه يوم رحيلك. أردت أن أكتب إليك وأخبرك بكل شيء، لكني وقفت حائرًا، لا أدري من أين أبدأ، فكل شيء تعثر، وكل وعد قطعته على نفسي جبنت عن تنفيذه. لا لضعف في الإرادة، ولا لقصور في الفهم، ولكن لأن تلك الطيبة التي حملتها معي منذ الطفولة، ما زالت تحكمني وتحاصرني.

 

ذاك الطفل الطيب، الغرير، الساذج، ما زال جالسًا في زاوية الغرفة، خائفًا من العالم. لا لشيء، بل لأنه يخشى أن يفقد آخر بصيص نور يضيء روحه المنهكة. هذا الطفل لا يملك سلاحًا سوى أمله، ولا درعًا سوى صدقه، وما تبقى له سوى قلبه، لا يريد أن يلوثه أو يكسّره أحد.

 

صديقي، سُدّت في وجهي سبل العيش، وتقطّعت بي سُبُل النجاة. لم أعد أطمح إلا إلى البقاء، لا أطلب رفاهية، ولا حتى كرامة كاملة… كل ما أريده اليوم، رغيف خبز أقتاته في المساء، دون أن أضطر لمدّ يدي أو أن أكسر نفسي.

 

أتذكّر تلك المقولة: “ما أضيق سبل العيش لولا فسحة الأمل”. نعم، الأمل هو ما يبقيني على قيد الحياة، لكنه أمل هش، كخيط عنكبوت، أتعلق به كلما انهارت الدنيا من حولي. أعيش على ذلك الأمل الصغير بأن الأمور ستتحسن، بأن الوجع سيتراجع، وأن هناك من سيبقى صادقًا في وعوده، فلا يبيعنا أوهامًا ولا يخذلنا في منتصف الطريق.

 

صديقي، كيف هي السماء عندكم؟ كم وجبة طعام تحصلون عليها في اليوم؟ هل التعليم ما زال مجانيًا؟ وهل الطبابة متوفرة للجميع دون وساطة أو اتصال أو خجل؟ أما هنا، فكل شيء صار يُشترى ويُباع، حتى الألم… حتى الكرامة.

 

أما عن الكهرباء والمياه، فحدث ولا حرج. الكهرباء تأتي كزائر ثقيل لا موعد له، والماء… إن وجد، فملوث أو مهدور أو متنازع عليه. وإذا ما اشتدّ البرد، لا وسيلة للتدفئة سوى الأغطية المهترئة أو نار الحطب إن وجدت. وإن اشتد الحر، فالصبر هو وسيلتنا الوحيدة للتبريد.

 

صديقي، الأخلاق تُستنزف من الناس يومًا بعد يوم، والاحترام بات عملة نادرة. الروابط العائلية تمزّقت في دوامة الحاجة، والتعب، والخذلان. بات القريب بعيدًا، والصديق مجهولًا، والجار خصمًا.

 

البطالة تعم، والفرص تندثر. لم أعد أبحث عن وظيفة ترفعني، بل عن عمل بسيط يضمن لي ولأولادي حياة لا نخجل منها أمام أنفسنا. لا أريد أن أعيش على فتات أحد، ولا أن أتحوّل إلى متسوّل في وطن يفترض أنه وطني.

 

صديقي، سؤالي الأخير إليك، ولعلّه الأهم: الرزق، على من؟

هل هو حق لنا من عند ربّ العباد؟ أم سلّموه لفئة من العباد، تتحكم به وتمنعه عمّن لا يملك واسطة أو انتماء أو ولاء؟

 

أحتاج إجابة، لا فلسفة فيها ولا خطاب سياسي. فقط قل لي، أين الحق؟ أين الإنسان؟ وأين الوعود التي كنا نحلم بها؟

 

ختامًا، لا أكتب هذه الكلمات لأشكو، بل لأذكّر: لا أحد محصّن من الفقر، من الانكسار، من الحاجة. دعونا نعيد للإنسان قيمته، للصدق مكانته، وللأمل فسحته التي تليق به.

 

لعلّنا يومًا نعود !!

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى