بقلم د.أحمد عياش
تابعت بحسرة حادثة الجميزة التي تعرّض فيها مناصرو الحزب الشيوعي اللبناني لِما يُشبه الكمين العسكري المنظم، وللأمانة لم افهم لماذا لم يتحاش اليساريون المرور من امام مركز حزب القوات اللبنانية لمنع الاستفزاز المتبادل في مناسبة ذكرى اليمة بعيدة كل البعد عن المماحكات والنزاعات السياسية.
ليس جديدا ان يتعرض الشيوعيون للكمائن السياسية، فتاريخهم يثبت تآمر الجميع ضدهم .وليس عبثاً بل لحقيقة واضحة تجمع اليمين المسيحي المتطرف باليمين المعتدل بالحركات الاسلامية الطائفية وحتى بالعروبيين المحافظين ، حقيقة ان الفكر الرأسمالي الاناني الجشع يوحدهم ،والفكر الفئوي يجمعهم والطائفية جعلتهم يكرهون ولا يصدقون ان في البلاد اناسا يؤمنون بجعل الشاطىء وضفاف الانهار والقطاعات الكبرى املاكا عامة لكل الناس ،ويؤمنون ان خيرات الطبيعة ثروات وطنية وجب تأميمها ليدر خيرها على كل اللبنانيين، لا على محتكرين او تجار يضعون الصليب او الهلال وهم لا يؤمنون لا بالرب ولا بالله…
ربّهم الرأسمال الحرام.
لا مشكلة للشيوعيين مع الرأسمال الحلال الآتي من دون استغلال اللبناني لأخيه اللبناني…
لماذا الاستغراب ؟
من الطبيعي الا يحتمل حزب القوات مرور علمانيين لبنانيين في شارع الجميزة ،لأن العلماني الوطني يُشعر الطائفي المسيحي والمسلم بعدم نضج شخصيتهما وبكراهيتهما المجانية للآخر، ويذكرّهما بسنوات ارتكاب المجازر وفق الاسماء و وفق الإنتماءات ووفق الوان البشرة.
طبيعي ان يهجموا وان يكمنوا للشيوعيين، لأن الشيوعيين لم يقتلوا ولم يزنوا ولم يسرقوا بيوت طوائف أخرى، ويحترمون كل اهل الوطن ولا يرون الناس طوائف وقطعانا من لون واحد.
كان الافضل والأسلم الا يمر الشيوعيون من امام مركز حزب القوات لمنع الاحتكاك الخاطىء ،وهذا يلام عليه الشيوعيون ،حتى لو حاول القواتيون الاستفزاز كان على اليساريين عدم الانجرار لمعركة.
“وحياة العدرا انا مسيحي”..قالها الفتى العلماني الشريف الوطني باكياً لينجو من مجزرة صبرا وشاتيلا والصفرا وزغرتا و ثكنة صربا و الاشرفية .استنجد بالسيدة العذراء ليضمن رؤية أمه وأبيه وأخوته مرة اخرى .عبارة تكفي لتدين العقل الطائفي من كل الألوان. فلو كان اسمه عليّا ومرّ في بئر العبد لصاح من الرعب “وحياة الامام عليّ انا شيعي”، ولو كان اسمه عمر ومرّ في الطريق الجديدة لصاح من الخوف “وحياة الصحابة انا من اهل السنّة”لينجو بروحه…
العقل الطائفي داعشيّ بالممارسة ومنافق بالكلام..
يوحدهم جميعا الرأسمال الحرام وكرههم لتوزيع خيرات البلاد على الناس كلها من دون احتكارات ،ومن دون دولة مالية عميقة، ومن دون اتحاد برجوازيات الطوائف التي لا تنتج غير حروب اهلية…
يختلف العقل الطائفي عن عقل طائفي آخر حسب عنوان السفارة والمصالح التي تغذيه…
لأنه صاح “وحياة العدرا انا مسيحي” ضربوه اكثر ،فكيف لمسيحي ان يؤمن باللاطائفية وان يكون في مكان يعج بالناس الذين نسوا اسماء طوائفهم عندما وجدوا اسم الوطن…
الاحزاب العلمانية الحقيقية تؤلف آخر القواسم المشتركة بين طوائف اللبنانيين واضعافها وحذفها والقضاء عليها مطلوب من كل عقل طائفي ،ليثبت ان الطائفية حالة غير مرضية نفسيا ولا تشير لتخلف عقلي وطنيا ولا لانتماء الى خانة ذوي الاحتياجات الخاصة اخلاقيا…
ما كان على اليساريين ان يمروا من امام مركز حزب القوات ولا ان يهتفوا بأي شعار استفزازي، لانهم حتى لو مروا بعيدا وحتى لو لم يهتفوا فإن الطائفيين سيكمنون لهم في كل مكان.
“وحياة العدرا انا مسيحي”..
صلاة جديدة للشيوعيين الذين اثبتت الايام انهم وحدهم من يؤمن بالرب ،لانهم لم يقتلوا أحدا، انما دافعوا عن وطن وعن شعب وعن مسجد وعن كنيسة وعن كل مال حلال….
هذا الكلام ليس دفاعا عن الشيوعيين، فللشيوعيين اقلام تحميهم، انما بالتأكيد هجوم تكتيكي على العقل الطائفي الشيطاني من كل الألوان الذي لا يبشّر الا بالكراهية وبالكراهية المضادة.
“وحياة العدرا انا مسيحي، انا مش كافر“.
وحدهم الكفار!!.
زر الذهاب إلى الأعلى