رأيمن هنا نبدأ

صراع سياسي بين ثقافتين في لبنان ..والنتيجة “فالج لا تعالج”(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

 

عبثاً هذا الجدل العقيم الذي تشهده الساحة اللبنانية منذ عملية طوفان الأقصى وامتداداتها،حول دور المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ،سواء عبر وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي أو الندوات والمنتديات والمجالس الخاصة.

ليست المسألة إبنة ساعتها ،ولا هي استجدت مع طوفان الأقصى وحرب غزة وشمال فلسطين وجنوب لبنان،ولا هي خلاف سياسي مستجد نتيجة التركيبة اللبنانية المعقدة.إنه صراع سياسي بين ثقافتين، له امتداداته التاريخية منذ ما قبل استقلال لبنان ،وحتى منذ زوال السلطنة العثمانية واتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور.

ثمة ثقافتان “عريقتان” في لبنان:

 واحدة تؤمن بالعروبة ومشرقها والإسلام الثوري وتقدس قضية فلسطين وتؤمن بضرورة النضال لتحريرها ،وأخرى ترى في امتدادها الغربي منهلا لحياتها وعيشها وترى أن فلسطين هي قضية الفلسطينيين وأنه لا بد من انتهاج السلام مع الكيان الصهيوني سعيا وراء وهم اسمه “استقرار لبنان”.

الأولى تؤمن بالمقاومة ودورها وأهمية حضورها في مواجهة الغرب المستعمر وقاعدته في المنطقة إسرائيل ،والثانية لم ولا تؤمن أساسا بهذه المقاومة، وترى فيها من الأساس مجرد تابع تحركه قوى خارجية لمصالحها الخاصة : مرة مصر عبد الناصر ،ومرة في يد المقاومة الفلسطينية واليسار الدولي ،ومرة أخرى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والمشكلة أن هذا الصراع الثقافي قد أخذ منحى طائفيا ومذهبيا في معظم الأحيان والمفارق الكبرى ،مع بعض الإختراقات التي لم تُجدِ في تعديل هاتين الثقافتين. فلا المسيحيون الذين “خانوا” طوائفهم استطاعوا أن يغيّروا من منطق الأمور ،ولا المسلمون الذين خرجوا على بيئتهم تمكنوا من ذلك.

أكبر أكذوبة يرددها البعض أن اللبنانيين كانوا مجمعين على المقاومة خلال مرحلة التحرير في الثمانينات والتسعينات،وأن دور هذه المقاومة انتهى مع التحرير. والحقيقة أن اللبنانيين لم يجمعوا مرة واحدة على مقاومة الاحتلال،والشواهد على ذلك كثيرة.    

إن حفلة التكاذب بين اللبنانيين حول الوحدة الوطنية والعيش المشترك والتفهم والتفاهم وغيرها من الشعارات البرّاقة ،لطالما أثبتت عقمها مع كل مفترق وطني أو قومي .والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى،ولعل أوضحها كانت في أحداث 1958 والحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 ،والاجتياحات الإسرائيلية المتعددة . وليس سرا أن كل حفلات الترقيع التي جرت بعد هذه الأحداث لم تُفلِح في بناء وطن يجمع اللبنانيين على عقيدة وطنية ، وكان اتفاق الطائف أحد أبرز وجوهها.

ولعل “أصدق الناس” هم الذين ينادون بالتقسيم والفدرلة، لأن هؤلاء مؤمنون تماما بأن هذا الصراع الثقافي لا نهاية له،وأن لا سبيل للعيش مع الآخر “الذي لا يشبههم”،بعد أن يأسوا من بناء وطن على قياسهم وثقافتهم. وهذا ما لن ينصاع له الفريق الآخر.  

خلاصة القول إن لا طائل من هذا الجدل العقيم حول هاتين الثقافتين ،وحول من هو على حق ومن هو على باطل.والحق في هذا المجال نسبي،ولطالما فعلت القوة فعلها في تثبيت حق هذا الفريق أوذاك.فلا يحلمن أحد بتبديل أو تغيير ثقافة هذا الفريق أو ذاك عن طريق الحوار وحفلات الترقيع،طالما كل فريق يؤمن أنه على حق.

 هل تعرفون حكاية جحا الذي دخل عليه جاره ذات يوم شاكيا عُسف جاره الآخر، فقال له جحا “إنك والله على حق”. ثم جاء الجار الآخر شاكيا جاره الأول فقال له جحا ” الحق معك”.وهنا تنبهت زوجة جحا فقالت له :ما هذا النفاق يا جحا؟.. لقد أعطيت الحق للجارين المتصارعين ،فكيف ذلك؟..فالتفت إليه جحا هازئا وقال:”..وأنت أيضا على حق”.

ويبقى السؤال: إلى أين؟ وما هو الحل؟

نخشى أن نقول: فالج.. لا تعالج!!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى