رأي

شهداء على طريق القصر(جوزف الهاشم)

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذا العنوان كتب جوزيف الهاشم في صحيفة الجمهورية يقول:

ا

 

القصّة طويلة، فلا تحلُموا بدنوِّ الإستحقاق الرئاسي في لبنان، ولا تصدِّقوا الوعـدَ الذي قطَعَتْهُ الجاريةُ في الليل لأمير المؤمنين هارون الرشيد، فكلامُ الليل يمحوه النهار، والرئاسة جاريةٌ في قصور السلاطين معرَّضةٌ للتحرُّش الجنسي.

 

ولأنّ البلاد مع هذا الفراغ الرئاسي الطويل العمر، لا تزال سائرةً والـربُّ راعيها، فليس ما يمنع من أنْ نطبِّـقَ دستورَّيةَ الفراغ على الرئاستين الأخريَيْن، وربُّ الرئاسة الأولى، هو أيضاً ربٌّ لكلٍّ منَ الرئاستين.

 

الرئاسة الأولى بلا رأس، والرئاسة الثانية برأسين، والرئاسة الثالثة إنقلبَتْ رأساً على عقب، وهي تمشي على رأسها.

 

وقال الربّ الذي هو راعينا – «ما هذه التماثيلُ التي أنتمُ لها عاكفون(1) …» -أيْ عابدون-.

بطائرةٍ مروحيِّة سقطت الرئاسة الأولى فوق القصر المهجور، منذ ما يقارب السنة ونصف السنة… وما زلنا نقـرأ مراسم الرحيل…

 

عندنا… يموتُ الملك ولا يعيش ملكٌ، وإنْ عاش ملكٌ تموتُ الرعيّـة.

بين الفراغ الرئاسي والرئيس الفارغ، يصبح الفراغ هو الحـلّ…

 

وبين جمهورية بلا رئيس، أو رئيس بلا جمهورية، تصبح الجمهورية هي الحلْ، وألف صلاةٍ وسلامٍ على الرؤساء.

والفراغ الرئاسي إذاً عُبِّـئ برأس فارغ فقد يصبح القصر الجمهوري مسكناً لأهل النار، لأن الرأس الفارغ كما يقولون: أفضل المساكن للشيطان.

 

يسمّونه الإستحقاق الرئاسي، ولا نـرى مرشحين مستحقّين بل مسحوقين، والرؤساء على طريق القصر أشبـهُ بالشهداء، كأنما يُفَرضُ عليهم ما كانت تفرضُه رومـا القيصرية على المحكومين، بأنْ يحملوا صلبانَهُمْ إلى ساحة الإعدام.

 

وهكذا تفرض علينا الساحة الرومانية فراغاً، والفراغ يفرض أعرافاً فتصبح الأعراف دساتير.

 

أليس أنّ الفراغ قبل ولايـة الرئيس ميشال عـون قد استمرّ سنتين ونصف السنة حتى تزامن هذا الفراغ مع انتهاء ولاية المجلس النيابي، فمـدّد ذلك المجلس لنفسه خمس سنوات 2013 – لينتخب الرئيس ميشال عـون…؟

 

وما أدراك…؟ لعـلّ هذا الفراغ الرئاسي اليوم سيُستـأْخَرُ موعـدُ استحقاقه بما يتوافق مع انتهاء ولايـة المجلس النيابي الحالي فيمدّد لنفسه خمس سنوات لانتخاب الرئيس المنتظر…؟

 

كل استحقاقٍ عندنا يعالجُ بالتمديد… ومن تمديد إلى تمديد… أطال الله بعُمْرهم وأسكنَنَا فسيحَ جِنانِـهِ…

 

وما هـمّ مع ذلك، أن يبقى لبنان في السعير الجهنَّمي وقد جعلوه يعيش كآبةَ الجمعة العظيمة وعاشورائيِّةَ الحسين، يحمل وحَـده عبْءَ القضية العربية الأولى، يرزح تحت أهواء العرب وأهوالهم، يدافع عن قضاياهم، يحمل بلاياهم، وجحافلَ النزوح، يضحّي بنفسه من أجلهم، يُستشهدُ على طريق الشام ويُصلبُ على طريق القدس.

 

وهل نتوخّـى الأمـل، مع حكمٍ مبتور، ومجلس مشطور، وحكومة مسعورة، وقـادة وسياسيين وزعماء يتراقصون حـول النار كالهنود الحمر، ويصفِّقون للرقصة الغجرية فوق بُـرَكٍ من دم الطيور المذبوحة…؟

 

لم يُعـد لنا، حتى في الشؤون الدستورية إلاّ الله نناشدهُ تعالى أنْ يجنِّـبَنا سوء المصير، وسوء التدبير، وسوء الرؤوس الفارغة، وأنّ يُبعد عنّا سوءَ الرئيس الذي إسمه المتصرف العثماني «واصـا باشا»، وصهر واصـا باشا، وألاَّ يكونَ عندنا رئيسٌ عنده صهـر، حتى ولو كان هذا الصهر «جبران خليل جبران.

 

-1 سورة الأنبياء القرآنية: 52.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى