شمّاعة “عزلة إيران” تظلل فشل بلينكن في المنطقة (جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز
عجبتُ لما جاءَ في حديث وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية،السيد بلينكن ، مع الرئيس السيسي ،خلال لقائهما يوم ٢٠٢٤/١/١١، في القاهرة ، وهو يقول له ” بأنَّ التقارب بين الدول العربية وإسرائيل هو الطريق الأفضل لعزل إيران ” !
سبب عجبي أمران : الاول هو ان يرد موضوع الحديث ، وهو عُزلة ايران ،في آخر محطة من محطات جولة الوزير الشرق اوسطّية ، اي في القاهرة ، و بعد لقاءاته في الأردن والبحرين ورام الله واسرائيل طبعاً . واذا اعتمدنا على القول المأثور ” تُقاس الأمور في خواتمها “، يبدو خاتمة جولة السيد الوزير ،الشرق الاوسطّيّة ، كان موضوع إيران وليس غزّة ! هذا لا يعني ان الرجل لم يتناول موضوع غزّة وموضوع القضية الفلسطينية وأمن اسرائيل وحقها في ” الدفاع عن النفس” ، ولكن ما بقي عالقاً في ذهنه هو ما يشغل عقله وعقل الرئيس بايدن ، وعقل نتنياهو ، ألا وهو أيران !
الأمر الثاني الذي يُثير العجب هو درجة التخبّطْ الذي تعيشهُ الادارة و الدبلوماسيّة الأمريكية ! فهو يتحّدث عن التقارب العربي الاسرائيلي في ظرف ،فيما الحكومات العربية التي لها علاقات دبلوماسية وتطبيعيّة مع الكيان المحتل تشعرُ بحرج امام شعوبها وامام التاريخ ازاء ما ترتكبه إسرائيل من جرائم ابادة وحرب وإنسانية ، واليوم في قفص الاتهام امام محكمة العدل الدوليّة . يتحدّث عن التقارب العربي الاسرائيلي ، لا مِنْ اجل وقف جرائم إسرائيل في غزّة و الضفة الغربية ، و لا من اجل ايجاد حل للقضية الفلسطينية، و لا من اجل أمن و استقرار المنطقة ، ولكن من اجل “عُزلة ايران ” !وكأنَّ مشكلة المنطقة او مشكلة الشرق الأوسط هي أيران !
قد تكون أيران مشكلة لأمريكا ، و قد تكون كوريا الشمالية مشكلة لأمريكا ،وكذلك روسيا ،وكذلك الصين ..ولكن ، مشكلة المنطقة بدولها وشعوبها هي إسرائيل وليس ايران ! إسرائيل كتاريخ وكحاضر و مستقبل ، هي المشكلة في المنطقة .
ولكن ،لماذا تطّرق بلينكن ،و من القاهرة ، إلى ضرورة ” عزل ايران ” مؤكّداً أن التقارب العربي الإسرائيلي يكفلُ تحقيق ” عُزلة ايران ” ؟ مع العلم انه ليس موضوع الساعة ، وان امريكا تتبنى الآن سياسة الجزرة مع ايران ،على الاقل ظاهرياً ، وأنَّ الساعة حافلة بمواضيع اخرى و مُلّحة ، منها صولة اليمن والملاحة في البحر الأحمر ، ومحاكمة إسرائيل وما يجري في غزّة و إسرائيل ، وغيرها !
سبب تطّرق الوزير إلى ” عُزلة ايران ” هو فشل جولته الشرق اوسطيّة وفي جميع محطاتها ، فاستعانَ بشمّاعة إيران كالعادة ، وارادَ ايضاً تبيان اهمية موضوع العلاقات العربية الاسرائيلية في ظرف عصيب يمّرُ فيه الكيان .
والسبب الآخر هو ارسال اشارة اعلامية صريحة وواضحة إلى جمهورية مصر العربية بامتعاض امريكا من انباء عن جهود نحو اعادة العلاقات الدبلوماسية بين ايران و مصر ، وتُبذل هذه الجهود نحو اعادة العلاقات في الوقت الذي يوافق الكونغرس الأمريكي على تزويد مصر بصفقة اسلحة جديدة .
حديث السيد الوزير عن عُزلة إيران يخالف الواقع ، و أصبحَ من الأرشيف ، فالذي يواجهُ خطر العُزلة في المنطقة وفي العالم ،اليوم ، أمريكا وليس إيران .
ما تواجهه امريكا في المنطقة ،ليس فقط عُزلة ،وانما مقاومة مُسّلحة ضّدَ قواعدها وتحركاتها برّاً و بحّراً ، وبسبب سياساتها و دعمها اللامحدود لإسرائيل ،وهي تقترفُ جرائم الابادة في قطاع غزّة . كما تواجه امريكا رأيا عاما دوليا مناهضا لسياساتها العدوانية الداعمة لجرائم الابادة والتطهير العرقي والتهجير القسري ،والتي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزّة .
*سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٤/١/١٢