سيّان..قبل الفراغ الرئاسي وبعده (حيدر شومان)
بقلم د.حيدر شومان – الحوار نيوز
وتمر الشهور، ولبنان بلا رئيس ولا حكومة، والغريب في الأمر أن الشعب لا يشعر بأية فروق تطال حياتهم، فلا يشتكي ولا يتأفف ولا ينادي بملء الفراغين… فالأمر هو هو قبل الفراغين وبعدهما، حيث إن الدولار ما يزال على حاله في عدم استقراره بل هو في صعود مستمر كما من قبل، والتقنين على حاله في الماء والكهرباء، والحرمان لا يزال يلقي بثقله على نفوس المواطنين، وكذلك مآسي المستشفيات والدواء ورغيف الخبز والمدارس والجامعات والسلع المختلفة، وكل ما يقدر عليه المواطن هو محاولة التكيّف مع كل جديد آت بشكل آلي مميت. لقد يئس هذا الشعب، الذي طالما قيل عنه إنه جبار لا يهاب شيئاً، من أي تغيير سوف يحدث.
وعدم ترقّب المواطن اللبناني لانتخاب رئيس جديد وحكومة جديدة يرجع إلى عدم ثقته بالأشخاص، الذين إما هم فاسدون يدمّرون البلاد ويفقرون العباد أكثر وإما هم بلا حول ولا قوة فلا يستطيعون إحداث الفرق في الأوضاع السائدة القاتلة.
باختصار، الحقيقة التي بات المواطن يعيها جيداً، أن المبادئ لا تُسيِّر الزعيم اللبناني، ولا القيم أو المصلحة العامة أو ما فيه الخير للبلد، فالرئيس الذي لا يريد النوّاب انتخابه ليس قراراً ذاتياً من أي منهم، فلا هو اختيار من يحمل برنامجاً مستقبلياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وليس هناك مرشح أساساً يحمل أي برنامج من أي نوع، ولا كان ذلك هماً حمله أي رئيس لبناني من قبل، وهنا تكمن الطامة الكبرى، لكن المسألة الواضحة والصريحة أن اختيار النواب للرئيس يكون من خلال كلمة سر خارجية كما يعلم الجميع. وعندما تأتي هذه الكلمة تزول التناقضات والتباينات والخلافات والتوافقات وتسقط الوعود والعهود ولا يبقى سوى تلك الكلمة التي تفرض وقعها على خيارات الزعامات اللبنانية.
هكذا كانت قصة لبنان وهويته وهكذا ستبقيان في مثل هكذا كيان.
كيان فاشل وسياسات عقيمة ورجالات تتوارث الحكم منذ انطلاقة النظام اللبناني الباهت، لا قيادات تذبّ عن الحمى، ولا أسباب قوة تؤسس لحماية ذاتية ضد أي خطر خارجي أو تصدّع داخلي، ولا شعب يوحّده وطن وتظلله سماء واحدة وتجمعهم هموم مشتركة، وإنما طوائف ومذاهب ومناطق تسعى كل فئة منها لتأمين مصلحتها الخاصة بعيداً عن مصالح الفئات الأخرى، متربصة لها الدوائر وزعيم كل منها يملأ الجيب والبطن والنفس الجائعة.
لم يستطع الشعب تأسيس ثورة مشبوبة ضد هذا الكيان في 17 تشرين لأن العامل الطائفي والمناطقي كان حاضراً عند كل الجهات، ولن ينجح أي حزب أو تجمع أو انتفاضة في تغيير الأمر الواقع ما دام هذا العامل ظاهراً ومسيطراً.
الحلُّ لا يتأتّى إلا بنظام جديد مختلف عن كل ما ساد لبنان منذ تأسيسه. فالبلد الفسيفسائي في طوائفه لم يستطع احتضان خلافاتهم الخاصة وميولاتهم المختلفة لأن النظام ظل دوماً مرتكزاً على العامل الطائفي الذي سعى لتفريق المواطنين بدل أن يجمعهم، ولا حل سوى بالعلمنة الخاصة (غير المطلقة) في هذا البلد وخصوصياته المتنوعة، لتكون المواطنة هي السبيل في الحياة عند التوافق أو الاختلاف، ولا يكون الدين مفرّقاً لتجمعهم ومشتتاً لتوحدّهم كما أثبتت التجارب السابقة في صراعات الطوائف المختلفة لأسباب لا تعد ولا تحصى وكان عنوان هذه الصراعات غالباً هو الاختلاف في الانتماء الديني.
نحن لا ننادي بالعلمانية بشكلها المطلق، ولا نستطيع القول إنها نجحت دوماً حيث سادت، لكن للبنان خصوصية التعدد الديني الاستثنائي وعدم استطاعة هذه الطوائف أن تتواءم بشكل يعيش آمناً مع هذا التعدد، ونقول هذا بصراحة دون تنميق الكلام والصور، فهذا هو واقع لبنان منذ تأسس ولم تتبدل الأمور إلى يومنا هذا، والجنون هو في بقاء الحال على ما هو عليه.