د. قصي الحسين* – الحوارنيوز
ذيول الحرب الأهلية، أم إفرازاتها الأليمة، أم الزعامتية الجديدة التي إنتهت إليها، في ظل الفوضى الجامحة، أم المال السائب الذي كان يعلم الناس الحرام. أم القبضنة الجبلية البكواتية. أم قبضنة الزعار و قطاع السابلة، هم الذين عنت بهم رواية: (سيمون بطيش. رعد يقض سكينة الوادي. دار نلسن. رأس بيروت.2023: 655 ص. تقريبا).
رواية تصف واقع الحال، في بلاد شلعت الحرب أبوابها. ومهدت للأهواء والعواصف والمطامع الشخصية والمالية والزعامتية الهشة، الدخول السهل، إلى البلدات والقرى في الجبل. بحيث إستبيحت الكرامات. وإستبيحت الأعراض. وإستبيحت الأموال. وصار الحديث عن كل ذلك من التفاصيل. بل هو نوع من تفصيل المفصل أصلا، على هامش الحياة اليومية.
الكاتب سيمون بطيش، إبن بلدة كفرذبيان- كسروان، كان يشهد على تهاوي البلاد إلى أعماق الوادي، من أعلى حرف في الجبل. ما غاب عن نظره، مشهد سقوط البلاد في الفراغ الآثم. الفراغ من السلطة، والسقوط، في قبضة القبضايات المنتفعة ب”الفتافيت”، من الأموال المنهوبة من جيوب الناس. من خزائن الدولة، بعد إنهيار الدولة. من صناديق البنوك والمصارف. بعدما إغتصبت أموال الناس، تحت كثافة من الدخان الأسود، في ليل إستهداف البنوك والمصارف، لأمول الناس. لجنى عمرهم. لجميع مدخراتهم. سطت عليها جميعا، في ليلة ليلاء.
زعاماتية جديدة، نشأت، بعد إنسحاب ذيول الحرب الأهلية. فقد أفرزت هذة الأخيرة، طبقة جديدة من زعامات الحروب. ومن زعامات الميليشيات. ومن زعامات المصادرات، ومن زعامات القبضنة، ما يجعل جبين اللبنانيين الشرفاء، يندى خجلا بأعمالهم القذرة. فكل شيء صار مباحا. كل شيء صار مستباحا. وصار الإعتداء على الكرامات، من يوميات الأرياف، التي لجأ إليها لصوص المال والعقارات والسلب والنهب، بعد شيوع الفساد في البلاد.
تشكل أعمال النهب واللصوصية والإحتيال، والسلب الفوضوي، والمنظم على حد سواء، العمق الأساسي، لرواية الأستاذ سيمون بطيش. فقد هاله أن يتم الإعتداء على الناس الفقراء. وأن تسلب أموالهم، بحجج شتى. صار يسمع بأذنيه جميع أنواع التبريرات والتسويغات القذرة. صار يتألم للبنان الوديع والجميل. صار يغتم لرؤية الوادي الجميل، وقد إمتلأ بالأعمال القذرة. وقد إمتلأ بجثث الرجال الذين أمضوا حياتهم في الإرتكاب.
سيمون بطيش، في روايته: “رعد يقض سكينة الوادي”، يعمل على كشف حقيقة الزعامات الجديدة، التي نبتت على أصول الزعامات القديمة. فكانت أشد منها وأقسى على الأهالي الطيبين في الجبل.
الإستحواذ على المال، بأية طريقة، مهما كانت قذرة، إنما هو عمل “مشرعن ومسوغن”، من قبل هذة الفئة من القبضايات الناشئة. ولذلك يعمد إلى تصوير حراكهم، في البيوت، وفي الدور، وفي القصور، وفي السرايات أيضا، حتى يكشف عوارهم. حتى يكشف إستباحاتهم. تراه يتتبع فصول الجريمة، فصلا فصلا، حتى يعريها أمام عيوننا. متتبعا العلائق الشخصية. والعلاقات الزبائنية. والعلاقات الأهلية والأسرية والمناطقية. يصور لنا مدى إنغماسها، في عالم جريمة السطو على المال، حتى من جيوب الفقراء والكادحين والمياومين.
الكاتب في سطور:
تلقى تعليمه في مدرسة الحكمة- بيروت. حائز على جائزة ميشال شيحا باللغة العربية عام-1972. نال شهادة الكفاءة التعليمية في اللغة العربية وآدابها من كلية التربية في الجامعة اللبنانية عام1978.له مؤلفات عدية، في الشعر والأدب والنقد والتحليل. كما له أعمال روائية، وأقاصيص مدرسية عديدة، ذات شأن.
*أستاذ في الجامعة اللبنانية.