
الحوارنيوز – صحافة
نشرت جريدة “الأخبار” في عددها الصادر اليوم تقريرين عن الحركة الإعلامية العربية باتجاه سوريا ،في ضوء اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع مع وفد إعلامي عربي وزيارات أخرى منفردة ،وأنباء عن مشاريع إعلامية سورية جديدة.
فتحت عنوان “أحمد الشرع كما لم تشاهدوه من قبل” كتبت مروة جردي :

بدا واضحاً أنّ الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع اختار أول من أمس ضيوفه الإعلاميين بعناية شديدة، ليشهدوا ولادة السياسة السورية الجديدة، بعد تسعة أشهر من خضوعها لشتى التأويلات والمحاولات غير الناجحة التي راوحت بين الصمت والاحتفالات الضخمة.
ضمّ الوفد رؤساء تحرير ومديري مؤسسات إعلامية من لبنان والكويت والعراق والأردن من بينهم: غسان شربل (الشرق الأوسط)، إبراهيم حميدي وعالية منصور (المجلة)، والأكاديميان إحسان الشمري (العراق) ومهند المبيضين (الأردن)، إضافة إلى نديم قطيش (سكاي نيوز – الإمارات).
من الأردن، شارك وزراء إعلام سابقون، من بينهم سميح المعايطة، ومن الكويت سامي النصف. لم تمضِ ساعات على إعلان استقبال الشرع للوفد حتى بدأت مواقفه السياسية بالظهور إلى العلن، محدِّدةً رؤيته لوحدة الأراضي السورية واستقلالها، ولعلاقة الدولة مع مكوّناتها المجتمعية والطائفية والعرقية، وكذلك لمستقبل المفاوضات مع «إسرائيل»، والعلاقات مع لبنان والأردن والعراق، وصولاً إلى دعوته للتخلي عن الأيديولوجيا لصالح براغماتية الاقتصاد.
مستشار «بن لادن» مهندس علاقة الشرع بالصحافة
التحول من عقلية «الفصائل» إلى عقلية «الدولة» يبدأ ربما بالانتقال من منطق السوشال ميديا إلى الصحافة المحترفة. يمكن قراءة استقبال الشرع للوفد الإعلامي العربي من هذه الزاوية أيضاً، في لقاءات تُعيد إلى الأذهان العلاقة التقليدية بين الصحافة وأصحاب القرار، حيث يُدعى عدد من الأسماء البارزة لنقل وجهة رأس الحكم في دمشق في اللحظات المفصلية.
يقف خلف ترتيب هذه الجولة أحمد موفق زيدان، المستشار الإعلامي الجديد للرئيس الشرع، وأول بصماته في صناعة الصورة الجديدة للرئيس وضمان وصولها إلى الداخل والخارج.
زيدان إعلامي وكاتب سوري مخضرم، شغل سابقاً إدارة مكتب صحيفة «الحياة» في إسلام أباد، ثم مكتب «الجزيرة» في باكستان، ويُعدّ من أبرز الصحافيين المتخصصين في الشأن الباكستاني والأفغاني.
من هنا، يمكن التعامل مع الخطاب الإعلامي الصادر عن الرئاسة السورية بجدية أكبر، خصوصاً أنّه يمر عبر خبير متمرس توقّع قبل عقد انتصار «طالبان» في أفغانستان وصعود الحركات الجهادية إلى السلطة.
كما وثّق ذلك في كتابيه من «الجهاد إلى الإمارة» (2021) و«طالبان أفغانستان: مستقبل الحركة وآفاق الدولة» (2013). وبخبرته الطويلة كمراسل ومحرّر في مؤسسات عربية ودولية، يدرك زيدان أهمية أن تصل رسائل دمشق عبر وجوه إعلامية وازنة لها نفوذ وعلاقات في عواصم القرار.
لعلّ هذا يفسّر كيف صرّح أحد أعضاء الوفد أنه زار رئيس بلاده قبل التوجّه إلى دمشق تلبيةً للدعوة السورية، وربما فعل معظم الأعضاء الآخرين الأمر ذاته.
كما إنّ اختيار الأسماء بدا انعكاساً واضحاً لشبكة علاقات زيدان الممتدة من «الشرق الأوسط» و«الحياة» إلى «المجلة» ووسائل الإعلام الخليجية، مع حرصه على إشراك أصوات من دول تتعامل مع «سوريا الجديدة» بحذر، مثل الإمارات، والأردن، والكويت، إضافة إلى العراق، حيث ما تزال العلاقات مع دمشق متأثرة بسنوات من الدماء والإرهاب.
رسائل الشرع تنتشر عبر ضيوفه
كان وزراء الإعلام السابقون أوّل من أذاع تفاصيل اللقاء مع الشرع. فقد ظهر الوزير الكويتي الأسبق سامي النصف ونظيره الأردني سميح المعايطة على شاشة الإخبارية السورية، بينما نشر الأكاديمي مهند المبيضين صوراً وانطباعات عبر منصة إكس، ثم كتب مقالاً في «الدستور» الأردنية حمل الكثير من الانطباعات الشخصية أكثر من التحليلات السياسية.
وتحدث عن استعداد الشرع لإلقاء كلمة سوريا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل، متوقعاً خطاباً مفصلياً لإعلان «سوريا الجديدة» أمام العالم، في لحظة تراهن فيها دمشق على استعادة موقعها في النظام الإقليمي والدولي بعيداً من الاستقطابات والجراح.
أما النصف، فركّز في مداخلاته على «عودة الواقعية السياسية» إلى دمشق، معتبراً أن الشرع يسعى إلى تجاوز الشعارات القديمة، مضيفاً: «التحول الاشتراكي لبعض الدول منذ وصول جمال عبد الناصر إلى الحكم كان خطأً مفصلياً؛ الدول التي قامت على القطاع العام والتأميم تراجعت وانهارت».
رسائل تهدئة إلى لبنان: لا نية بالانتقام
أجمع ضيوف الشرع على أنه براغماتي يعي تعقيدات الجغرافيا السورية وتشابكاتها الإقليمية. وخلال اللقاء، حرص على توضيح أن تصريحه «سوريا لن تكون مصدر قلق لأيٍّ من جيرانها». لا يخص ذلك الكيان العبري فقط، بل يشمل لبنان والأردن والعراق أيضاً.
ورداً على أسئلة الصحافيين اللبنانيين، شدّد على أن دمشق «لا تنوي التدخل في الشأن اللبناني»، قائلاً: «في لبنان فريق يعتبرنا تهديداً وجودياً وآخر يريد استغلال المعادلة الجديدة للانتقام من خصومه.
نحن لا هذا ولا ذاك؛ نريد علاقة من دولة إلى دولة». دعا دول الجوار إلى التعاون مع سوريا لمنع أي تقسيم محتمل لأراضيها تحت ذرائع مختلفة، منها «الممرات الإنسانية»، مكرراً رفضه لأي سلاح خارج سلطة الدولة، بما يشمل أي تسوية مستقبلية مع الأكراد أو الدروز أو العلويين. كما أقرّ بوجود «أخطاء في المعالجة»، ولكنه شدّد على أن مناطق السيطرة الكردية بما تحويه من موارد زراعية ونفطية وموقع جغرافي حيوي «يجب أن تكون في خدمة عموم الشعب السوري»، لا ورقة نزاع بين دمشق والجانب الكردي.
«سكاي نيوز»: السلام مع إسرائيل «ممكن»
أما في الملف الإسرائيلي، فأبدى الشرع انفتاحاً مشروطاً على خيار السلام، شريطة أن يضمن الاستقرار ويحافظ على وحدة سوريا. لكنه شدد على أن اتفاقات «أبراهام» «لا تصلح لسوريا»، لأنها «خاصة بدول بعيدة لا مشكلات حدودية لها مع إسرائيل»، بينما «سوريا لديها الجولان المحتل ولا يمكنها المضي بأي اتفاق من دون حله».
ونقل نديم قطيش، المدير العام لـ«سكاي نيوز عربية» عن الشرع قوله إنه «لا يحمل موقفاً أيديولوجياً تجاه العلاقات مع إسرائيل»، وإنه في مرحلة متقدمة من التوصل إلى «اتفاق أمني» قد يفتح الباب أمام خطوات لبناء الثقة، وربما لاحقاً نحو سلام شامل «إذا كان في مصلحة سوريا والمنطقة». وأكد الشرع، بحسب قطيش، أنه «سيصارح السوريين بخياراته بشفافية، لأن أي اتفاق سيكون علنياً لا سرياً».
بهذه الرسائل، يظهر أن الشرع يحاول للمرة الأولى مقاربة الملف السوري من زاوية عربية خالصة، منذ تسلمه الحكم، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقات مع لبنان وتفهمه للموقف العراقي، وتمسكه بوحدة واستقلال الأراضي السورية، وربما هي المرة الأولى التي يتعامل مع الوضع السوري وفق محيطه وهويته العربيين، بعيداً من الحضن الأميركي والتركي، خصوصاً بعد فشل المحاولات السابقة في منع «إسرائيل» من العبث بأمن وسلامة الأراضي السورية.

وتحت عنوان “من بيروت إلى دمشق… خريطة جديدة للإعلام العربي؟ “ كتبت زينة حداد:
انتشرت أول من أمس صورة جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع مع إعلاميين لبنانيين يديرون أبرز القنوات السعودية والإماراتية واللبنانية. يتوسط الشرع الصورة، وإلى يمينه كل من اللبنانيين نديم قطيش، مدير عام «سكاي نيوز» الإماراتية، وغسان شربل رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، إلى جانب بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة قناة LBCI اللبنانية، وإعلاميين آخرين.
تبدو صورة المجتمعين كأنّها تهدف إلى تمرير رسالة إعلامية من الشرع بهدف جذب أكبر المؤسسات الخليجية واللبنانية إليه، وتلميع صورته أمام الرأي العام وتصوير دمشق كبقعة آمنة للصحافة.
لكن في العمق، تحمل الصورة أبعاداً إعلامية وسياسية، ستتضح صورتها في الأيام القليلة المقبلة. أتت الجولة ضمن الحملة التي أطلقها المقرّبون من الشرع أخيراً، داعين فيها وسائل الإعلام اللبنانية للتعاون معاً، قبل أن تكشف الوسائل المطبوعة منعها من الصدور في دمشق، بحجة أنها تهاجم الشرع.
المجموعة السعودية والإماراتية حاضرة… بالوجوه المعروفة
في هذا السياق، توضح المعلومات أن شركة «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» (SRMG) التي يديرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتضم «الشرق الأوسط» و mbc و«العربية» وغيرها، تمثلت في اجتماع الشرع بالصحافي غسان شربل وإبراهيم حميدي.
أما الإماراتيون فقد أرسلوا نديم قطيش الذي خرج بعد اللقاء بتصريحات تلمّع صورة الشرع، بينما كان بيار الضاهر من أوائل الزاحفين نحو دمشق، علّه يخرج بمشاريع إعلامية تعزز قناته وتعيد «المجد» إليها. كما إن الضاهر يسعى إلى الالتفاف على المشاريع التي سبقه إليها رئيس مجلس إدارة MTV ميشال المرّ.
زيارة إعلامية أم جلسة صورية؟
تلفت المعلومات إلى أن زيارة الإعلاميين اللبنانيين إلى دمشق تعدّ محاولة لكسر الجليد الإعلامي بين البلدين. أما اجتماع الشرع مع قطيش والضاهر وشربل، فلا يُعدّ أكثر من جلسة صورية، فلا جديد يحمله الإعلاميون في حقائبهم لبحثها مع الشرع، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في دمشق، التي لا تُعدّ أرضاً آمنة للعمل الصحافي. صحيح أن أولئك الإعلاميين يمثلون القنوات الخليجية، ولكن قرارات المشاريع الإعلامية تُتخذ في أعلى الهرم في الرياض. وحتى اليوم، كل ما يُقال عن افتتاح مشاريع سعودية إعلامية في دمشق، لا يزال حبراً على ورق.
غياب ميشال المرّ… ولكن
على الضفة نفسها، تعتبر المصادر أن صورة الشرع مع الإعلاميين اللبنانيين كان ينقصها ميشال المرّ، لكن الأخير سبق الإعلاميين اللبنانيين إلى سوريا، وفتح طريقاً مباشراً إلى دمشق بعيداً من الكاميرات. فقد زار المرّ دمشق في الربيع الماضي، والتقى الشرع وبعض المقربين منه.
لم يكتفِ المرّ بتلك الزيارة فقط، بل قام بزيارة ثانية أخيراً، للبحث في التعاون الإعلامي بين الجهات الإعلامية التابعة للشرع وقناته، التي هلّلت لسقوط نظام بشار الأسد، خصوصاً أنّ المرّ كان عرّاب قناة «أنا سوريا» التي انطلقت أخيراً وتتخذ من استديوهاته في النقاش (شمال بيروت) مركزاً لها. كما تتحدث بعض المعلومات عن نية بعض رجال الأعمال السوريين فتح وسائل إعلامية في لبنان، وربما يكون المرّ المرشح الأبرز لتولي تلك المشاريع.
مشاريع MBC سوريا
في المقابل، تكشف المصادر أنّ المنتجة السورية في mbc سارة دبوس زارت دمشق قبل أشهر للوقوف على الأوضاع هناك، تحضيراً لافتتاح شبكة «MBC سوريا».
لكن المنتجة تفاجأت بحجم الفوضى والتضييق على الحريات التي تشهدها العاصمة السورية، فقرر القائمون على الشبكة نقل الملف من دمشق إلى بيروت. تسعى القناة إلى إعادة فتح استديوهاتها في ذوق مصبح (شمال بيروت)، وستقدم مشاريع ترفيهية وفنية سورية الهوى. لكن مشروع الشبكة السعودية لم يتم البتّ به بعد، في انتظار رفع حظر السفر عن السعوديين إلى لبنان.
باختصار، صحيح أن الأنظار تتجه إلى الاجتماعات في دمشق، لكن يُتوقع أن تكون بيروت في الواقع مركزاً للاستثمارات الإعلامية الخليجية والسورية، إلى حين هدوء الأوضاع في سوريا.



