بقلم جوزف القصيفي*
سنة مرت على غياب ابي أحمد ، وكأنه اليوم في عمر الزمن،فهو لم يبرح القلب والذاكرة، لأنه كان فعلا صوت الذين لا صوت لهم، وفجر بقلمه المبدع، واسلوبه الشيق ثورة على الظلم والتمييز، واللامبالاة، وثقافة المعليشية.
والى التزامه الوطني والقومي وأتباعه سياسات لم ترق للعديد ممن كانوا لا يقاسمونه القناعات والخيارات نفسها، فإنه قدس الحرية واعتنق الديموقراطية واعترف بحق الاختلاف وضرورة الحوار مع الآخر والاحتكام إلى الكلمة لا العنف، والحوار بديلا من المواجهة والمكاسرة العبثية.
ردوا على طلقات يراعه المذخّر بالكلمات بارهاب بلغ حد التفجير، وحمل أثر شهادته الحية وساما على وجهه وكان أثمن وارفع من كل الأوسمة التي تزين الصدور.
مضى طلال سلمان وفي القلب غصة على إغلاقه ” السفير” مرغما، فيما لبنان والعالم العربي في مسيس الحاجة إلى استمرار صدورها علامة مميزة في هذا الزمن البائس،لكنه كان مرتاح الضمير لامرين:
– الأول انه خلف مدرسة ضمت عشرات، بل مئات المريدين الذين يتحلقون يوميا في الطابق السفلي من مبنى الجريدة الذي تحول إلى منتدى يحمل اسمها.
-الثاني انه لم يستكن ولم يهدأ له بال، إلا بعد أن سدد للعاملين في الصحيفة من صحافيين وموظفين وتقنيين وعمال، كامل تعويضاتهم ومستحقاتهم حتى آخر ” بارة” و” حبة مسك”. وهذا السلوك ليس غريبا على ابن شمسطار الآتي من جوار مدينة الشمس، اعزل الا من طموحه، وارادته الواضحة في ألا يكون صفرا على شمال الحياة . كان عصاميا حتى العظم، نخيا ومجتهدا، فلم يقو الفقر ولا ضيق ذات اليد في مرحلة البدايات على الثبات في وجه تصميمه على المغامرة التي أثمرت مؤسسة إعلامية رائدة. لقد تمكن من تحقيق احلامه بعد مشقة ومعاناة،وكان مصداقا لقول الشاعر:
تريدين ادراك المعالي رخيصة
فلا بد دون الشهد من أبر النحل
استاذ طلال،
اني اغبط نفسي لعملي مع قامات كبيرة في الصحافة، وانت في مقدمهم. كنا من خندقين سياسيين متباعدين، لكننا كنا متقاربين في الانحياز للحرية والانسان وكرامته، والانتصار لابناء المهنة دون تفرقة، وقد حفظت لك الود والعرفان قبل عملي في ” السفير” وخلاله واثر مغادرتي الصحيفة بعد عقدين من الزمن. فالذكريات والمعاناة والايام الجميلة التي ظللتنا لا تزال تحفر عميقا في الذاكرة. واذا أردنا أن نؤرخ للصحافة اللبنانية والعربية في العصر الحديث، فإننا لا نخدش الحقيقة اذا قلنا انك كنت فتاها الأغر،المجدد، والرؤيوي و” صوت لبنان في العالم العربي، وصوت العالم العربي في لبنان”، وأنك كنت المدرسة والعلم والمنارة، في زمن اغلقت فيه المدارس وتمزقت الاعلام وتهاوت المنائر.
رحمك الله وليكن ذكرك مخلدا.
*نقيب المحررين الصحافيين اللبنانيين