كتب غسان بيضون
بالتزامن مع خبر توقيف ممثل الشركة مالكة البواخر المستأجرة مع آخرين، على خلفية التحقيق في ملف تقاضي رشاوى وعمولات وهدر أموال عمومية وتبييض أموال، وفي خطوة “جريئة” تنمّ عن نيّة الاعتداء على ما تبقى من أموال المودعين، أقرّت لجان مجلس النواب بالأمس اقتراح قانون معجل لإعطاء سلفة خزينة لكهرباء لبنان بالدولار وليس بالليرة ،وبالتحديد بقيمة ٢٠٠ مليون دولار، قدّمه أربعة نواب إصلاحيون “مؤمنون بالتغيير”، إمعاناً في مخالفة القانون وتعبيراً عن قدرة جماعة الإصلاح على ابتكار صيغ جديدة من البدع والخدع، لتضاف إلى مآثرهم في عالم الابتزاز للحصول على مزيد من “سلفات الخزينة غير القابلة للاسترداد”، وإنما هذه المرة على غير حساب الدولة.
وقد جاء ذلك بعد عدة تصاريح لحاكم مصرف لبنان أعلن فيها عن نفاذ موجوداته بالدولار من غير الاحتياطي الإلزامي العائد للمصارف، وفي وقت ما زالت المصارف تمتنع فيه عن تنفيذ قانون الدولار الطالبي لتغطية تكاليف آلاف التلاميذ “المقطوعين” ممن يتابعون دراستهم في الخارج. ويفتح إقرار السلفة بهذا التوقيت والظروف والصيغة المجال لأكثر من سؤال وتساؤل يبدأ بما إذا كان يحق لمجلس النواب مصادرة أموال المودعين إن لم نقل إصدار قانون يشرّع السطو عليها، طالما أنها مال خاص وقد انتهى عصر التأميم!. وفي حال الإيجاب نتساءل استطراداً ما إذا كان هذا القانون يلزم مصرف لبنان باستخدام الاحتياطي من “أموال المودعين” لتنفيذ سلفة الخزينة المفلسة وهل أن الحاكم سوف يعود أصلاً ويكون مستعداً للتعاون في هذا السبيل؟!
وفي حال كان الجواب بغير “نعم” فهل أن قيمة هذه السلفة سوف تحتسب بالليرة ،وهل سوف يعتمد سعر صرف المنصة لتبلغ كلفتها 780 مليار ليرة، أو على سعر صرف السوق لتتجاوز الـ 2500 مليار ليرة!
إن مشهد ما حصل اليوم في مجلس النواب يبدو، على الأقل في ظاهره وبحدود ما حصل حتى الساعة استمراراً لنهج المحاصصة والابتزاز السياسي والتواطؤ لاستمرار الفساد. ويؤشر إلى وجود نية لانتهاك حقوق المودعين والاعتداء على ما تبقى من أموالهم لدى مصرف لبنان. وقد جاء ذلك فيما كنا ننتظر إقرار قانون الكابيتال كونترول لتأمين الحد الأدنى من العدالة للمودعين في التصرف بجزء من أرصدتهم، ولنتصور موقف أهالي الطلاب غداً ممن امتنعت المصارف عن تطبيق قانون الدولار الطالبي واستحال عليهم تحويل العشرة آلاف دولار من ودائعهم لتلبية حاجة أولادهم “المقطوعين” في الخارج.
أما مصير أموال السلفة التي أقرتها اللجان النيابية اليوم فلا بدّ أنه التبديد في حراقات المعامل والبواخر وعلى العمولات، وضياع نصف إنتاجها هدراً وسرقة ، ليلحق بمليارات الدولارات التي تراكمت لتشكل نصف الدين العام وتفلس الخزينة وتسقط الدولة في حالة العوز لتخسر رصيدها الذي لطالما تغنت به “لم تتخلف يوماً عن الدفع” ولا يضيع قرش عند الدولة”!
لم تقتصر الغرابة في مشهد ما حصل البارحة في مجلس النواب على إقرار سلفة وبالدولار. وقد لفتني فيه تلك المقارنة التي تذرع بها نائب مؤيّد من “أهل البيت” لم يميّز فيها الدعم بين حبة الدواء ورغيف الخبز وثقب الطاقة الأسود الذي ابتلع مليارات الخزينة، والأغرب هو ذلك التحليل “المحاسبي” الذي أتحفتنا به معالي القيّمة على شؤون الطاقة ووزرائها، وفيه لعب على الأرقام والألفاظ لتعرض على المواطنين عملية حسابية بسيطة تخبرهم بنتيجتها أن في سلفة الـ 1500 مليار مصلحة للمواطن وربح ينتج عن خفض قيمة فاتورة المولد على حساب عجز كهرباء لبنان، وكأن تبرر السطو على مال المودعين لتفيد منه المشتركين؟!!
إن في الموافقة على سلفة اليوم تعبير عن الاستمرار في دعم الفساد واستمرار العمولات والانتفاع على حساب استثمارات كهرباء لبنان وسمعة إدارتها. وإن تمّ تنفيذها فعلاً فسوف يكون مجزرة بحق المودعين!
أما وقد قيل أن الرئيس بري سأل رياض سلامة عن دولارات لديه ونفى وجود حتى دولار واحد، فيحق لنا أن ننتظر لنعرف ما إذا كان قايض “أمير الطاقة” على “جوز فارغ” وأكل الضرب، أم أن المودع هو من أكله وسوف يدفع الثمن.
وعلى أساس تبشير وزير المالية بالتوجه نحو رفع الدعم – وكأن الدعم كان بموجب قرار- وانطلاق قاطرته بدءاً من ارتفاع أسعار المحروقات في جدول أسعار اليوم، تبلغ البلاد ذروة المأساة، ولا يبقى لنا سوى انتظار بدء مسلسل الانعكاسات وارتدادات الزلزال بمفاعيله الاقتصادية والاجتماعية دون حدود، ليرتفع معه صراخ المواطنين وتدخل البلاد في حالة هذيان لا بد منها لترتفع معها حرارة الأرض والساحات، في غياب الحكومة طي تصريف الأعمال وانتظار إكمال صبية السياسة رقصهم على حافة ثغرات الدستور وحافة الهاوية، علّهم يفرجون عن تشكيل الحكومة قبل تحطيم أسوار القصور وحواجز الحماية والحرس، ولا يعود نفع للندم.
ويبقى السؤال ماذا بعد انتهاء هذه السلفة؟!
مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه
زر الذهاب إلى الأعلى