سخونة في مزارع شبعا والغجر: اختبار أول يفتح على سيناريوهات عديدة
الحوار نيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب حمزة الخنسا في صحيفة الأخبار:
شهدت «جبهة الغجر» أمس تطورين لافتَين، تمثّل الأول ببيان لحزب الله تعليقاً على ضم قوات الاحتلال الإسرائيلي للقسم الشمالي من بلدة الغجر إلى الأراضي السورية المحتلة، بعد تطويقها بسياج حديدي جديد عزَلَها عن امتدادها اللبناني. والثاني، تمثّل بـ«رسالة صاروخية مزدوجة مجهولة المصدر» تلقتها تل أبيب مع سقوط صاروخ في القسم اللبناني من البلدة، وآخر في محيط سهل المجيدية اللبنانية المحتلة.
الحدثان المرتبطان ظاهرياً وعضوياً يمثلان مدخلاً لتصعيد تتزايد احتمالاته مع تجمّع المؤشرات والدوافع. وقد ظهر حزب الله في بيانه الأخير ربطاً بالإجراءات الإسرائيلية في الغجر، كمن يُلقي الحجة ويضع كل الأطراف أمام مسؤولياتها. داخلياً، بدءًا من الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها، لا سيّما الحكومة، وصولاً إلى الشعب بل قواه السياسية والأهلية. وخارجياً، انطلاقاً من الأمم المتحدة التي تعترف بالقسم اللبناني من الغجر باعتباره جزءًا من الأراضي اللبنانية لا نقاش فيه ولا نزاع حوله، وانتهاءً بإسرائيل التي اعتبر الحزب أن ما قامت به من «احتلال كامل للقسم اللبناني من بلدة الغجر بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع فيها، ليس مجرد خرق روتيني مما اعتادته قوات الاحتلال بين الفينة والأخرى».
الردّ الإسرائيلي على «مصادر إطلاق الصاروخين»، والذي استهدف مناطق حرجية مفتوحة في قرى حلتا وكفرشوبا وكفرحمام بقصف مدفعي «محسوب»، سبقه أداء إعلامي مُربَك تطوَّر من نفي انطلاق صواريخ من لبنان، إلى اعتبار أصوات الانفجارات التي سُمعت في الأرجاء ناجمة من انفجار ألغام قديمة، وصولاً إلى الإقرار بسقوط قذائف هاون مصدرها لبنان، ثم الاعتراف بسقوط صورايخ أطلقتها «مجموعات فلسطينية»، قبل أن تبدأ في الإعلام العبري نغمة «من الصعب تصديق أن إطلاق الصاروخ من لبنان تزامناً مع بيان حزب الله حول الغجر، كان محض صدفة»، مع الكشف عن أن ما سقط في القسم السوري من الغجر هو صاروخ موجّه مضاد للدبابات وليس صاروخ أرض – أرض، ما يفسّر عدم انطلاق «القبة الحديدية» في مواجهته.
في هذه الأثناء، كانت قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان تتحدّث هي الأخرى عن انفجارات لم تتمكن من تأكيد مصدرها أو سببها، قبل أن تتحدّث عن «احتمال إطلاق صاروخ»، لافتة إلى أنّ «هذا الحادث يأتي في وقت حسّاس وفي منطقة شهدت توترات في وقت سابق من هذا الأسبوع». تدرّج كل من القوات الإسرائيلية وقوات «اليونيفيل» في الإفصاح عن حقيقة الحدث قد يكون مردّه تفضيلهما «الوصول إلى نهاية سعيدة»، إلا أن الوقائع المسجّلة على الأرض، مثل نوعية الصواريخ التي دلّت عليها «آثار معيّنة» تركها «المُطلِقون» خلفهم، لم تترك لهما خيارات كثيرة، خصوصاً إذا ما صحّ أن الصاروخ «موجّه» بحسب ما سرّب إعلام العدو.
أيّاً تكن رواية القوات الإسرائيلية، إلا أن ما سُجّل من تطورات فتح الباب واسعاً أمام التكهّنات حول طبيعة ردّ الفعل المحتمل للمقاومة على الإجراءات الإسرائيلية الاستفزازية في الغجر. فالإعلام العبري حفل أمس بكثير من التحليلات والآراء التي تذهب إلى تأكيد وقوف حزب الله خلف «رسالة الصواريخ»، ليقول إن المقاومة لن تسكت على محاولة تل أبيب تكريس أمر واقع في البلدة بقوة السلاح، وبالتالي التنبيه من «نوايا المقاومة» في هذا الإطار.
ما سُجّل من تطورات فتح الباب واسعاً أمام التكهّنات حول طبيعة ردّ الفعل المحتمل للمقاومة
وفي الحديث عن نوايا المقاومة، لا تحتاج إسرائيل إلى كثير من عناء التخمين. فمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وحتى قرية الغجر المحتلة بشقَّيها اللبناني والسوري، كانت جميعها شاهدة على «نماذج» من عمليات للمقاومة دارت رحاها في تلك المنطقة منذ ما قبل التحرير عام 2000 وما بعده، يمكن تصنيف بعضها في خانة «الردود»، وبعضها الآخر في خانة «المبادرة». أما اليوم، وفيما المنطقة تترنّح على وقع محاولات إسرائيلية متزايدة في الآونة الأخيرة لمحاولة فرض «وقائع ميدانية» جديدة، إنْ عبر عمليات التجريف ومدّ الأسلاك الشائكة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقبالة حولا وغيرها، وإنْ عبر «قضم» القسم الشمالي للغجر، تبرز التساؤلات عن «الصدمة» التي يمكن أن تغيّر المشهد أو تعيده إلى هدوئه، خصوصاً أن الأمم المتحدة، عبر قوات «اليونيفيل»، تلعب دور المتفرّج، وتكتفي بـ«حثّ» إسرائيل على عدم خرق القرار 1701 في الغجر، وتدعو الجميع إلى «ضبط النفس».
سيناريوهات متعدّدة تلوح في الأفق، مع إصرار المقاومة على رفض التعدّيات الإسرائيلية، وتأكيد جهوزيتها الدائمة لمواجهة المحاولات الإسرائيلية الجديدة، ومع عجز واضح تبديه الحكومة اللبنانية في التعامل مع هذا الملف. وهنا، ثمّة في إسرائيل مَن يحذر من دخول قوات الاحتلال في «عصر الإشغال» مجدداً من بوابة القطاع الشرقي من جنوب لبنان.