رأيصحف

ساسة على شاكلة راقصات التعري

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:

 

كيف لنا العثور على رجل دولة ـ لرئاسة الدولة ـ يكون فوق الطوائف وفوق الأحزاب، (والأهم فوق المافيات). لكن مقتضيات الثقافة السياسية عندنا تشترط أن يكون تحت الطوائف، وتحت الأحزاب (والأهم تحت المافيات). باقتضاب رئيس للجمهورية بمواصفات الحصان الخشبي …

كثيرون جاهزون للاضطلاع بهذا الدور. انتخاب رئيس من طراز آخر قد نجده في كليلة ودمنة، إذا تذكرنا عبقرية ابن المقفع الذي قطّعنا أطرافه بتهمة الزندقة وألقيناها في النار. ولكن ألا يشبه العمل السياسي في لبنان الزندقة. ان شئتم… الهرطقة!

كل تلك الأزمات التي حوّلتنا الى ركام بشري، دون أن ندري من أين يدخل الخلاص الى هذا الجحيم، وكل تلك الأزمات التي تحدق بنا، والتي تهدد بتغيير الدول وتغيير الخرائط بما هو أبعد بكثير من البلقنة، ولا يرف جفن لبارونات الطوائف. الغرابة حين نهلل لبعض جهابذة السياسة على أن حراكهم الاستعراضي في الداخل وفي الخارج، يضع أمامنا خارطة الطريق الى القصر. ديبلوماسي عربي صديق (من جماعة اللجنة الخماسية) قال لنا “الحقيقة، لا ندري من أي فوهة مدفع يخرج رئيس جمهوريتكم، بل وتخرج جمهوريتكم”.

ساسة أقرب ما يكونون الى راقصات التعري، في بلد جرت تعريته حتى من ورقة التوت. لنتذكر وصف بابلو نيرودا لتشيلي بعد سقوط سلفادور اللندي بـ “الوردة الأرملة” (أم الوردة الثكلى؟). لا لبنانيون في لبنان، بل كائنات بشرية موزعة على 18 طائفة، تتراشق بالحجارة وأحياناً بالقنابل على مدار الساعة.

فهمنا لا دولة قبل حل القضية الفلسطينية، ولا دولة قبل حل القضية السورية (وهناك أيضاً القضية “الاسرائيلية”). الأكثر تعقيداً من كل ذلك، لا دولة في لبنان… قبل حل القضية اللبنانية.

قيل لنا ـ الرجاء حدقوا ملياً في المشهد ـ أن اللجنة الخماسية بتشكيلها الحالي، وبالتضارب في المصالح بين أعضائها، أضافت الى أزماتنا أزمة أخرى. لاحظنا كيف كانت وجوه اصحاب السعادة السفراء، لدى اجتماعهم في قصر الصنوبر خالية من أي معنى، كما الطاولة التي كانوا يجلسون اليها، والخالية حتى من كؤوس الماء.

كان واضحاً أنهم، باستثناء هيرفيه ماغرو، لا يكترثون بمهمة جان ـ ايف لودريان الذي لم يقنعنا بأدائه الديبلوماسي (البارد والممل)، وهو ابن الدولة التي أنتجت ريشليو ومازاران، وتاليران. الكل ينظر الى الخط الأزرق (الذي لم يعد أزرق بطبيعة الحال). الرهان على زيارة آموس هوكشتاين، الخائف على “اسرائيل” من جنون الذئاب فيها، لا على لبنان دولة الحطام، وهو الذي لاحظ كيف أن ساستنا عاجزون حتى عن ادارة الحطام.

اللافت هنا التراشق بالاتهامات بين أطراف النزاع حول المسؤولية في الوصول الى الفراغ، وفي بقاء الفراغ. مقامات تشارك في توجيه الاتهامات، كما لو أن الجمهورية أصيبت فجأة بالسكتة الدماغية. ما حدث حصيلة سنوات وسنوات من التواطؤ بين المقامات على أنواعها، وبين المافيات على أنواعها.

لا أحد يستطيع أن يغسل يديه (أو يغسل أدمغتنا) من مسؤولية الذهاب بلبنان الى حدود الزوال. سفير دولة عربية ألمح على احدى الشاشات الى أن “لبنان هكذا”. ما من مرة الا وكان تابعاً لجهة ما أو لجهات ما. حتى أن نظام المتصرفية الذي نفاخر به، قد يكون الوحيد من نوعه في العالم، بل الوحيد من نوعه في التاريخ في التبعية.

لنلاحظ سذاجة البعض حين يعتبرون أن انتخاب رئيس الجمهورية يفضي الى الانتظام الدستوري. وهذا ما يتبناه بعض الخبراء الدستوريين، بلغة بديع الزمان الهمذاني، وهم الذين يفترض أن يدركوا أن المشكلة في “البنية الجيولوجية” (بالمعنى التاريخي والسوسيولوجي) لدولة أنهكتها النصوص الملتبسة والسياسات الملتبسة.

لننظر الى المشهد الاقليمي (ناهيك بالمشهد الدولي)، ونتساءل إذا كان الذي يحدث أمامنا أو حولنا، يمكن أن يفتح أبواب القصر الجمهوري؟ لقد مللنا من ذاك الكرنفال العبثي. ساسة على شاكلة راقصات التعري. حتى سفراء اللجنة الخماسية وجدوا فقط ليكون هناك شيء ما على هذه الخشبة، بانتظار أن تحدث المعجزة ويهبط الحصان الخشبي من المدخنة.

المدخنة مقفلة الى اشعار آخر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى