كتب واصف عواضة
كل المعلومات المتداولة تشير الى أن زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان أيف لودريان الى لبنان، ينطبق عليها المثل الشائع “تيتي تيتي ..رحتي مثل ما جيتي”،على الرغم من التهويل الذي سبق الزيارة.فكثير من العقلاء كانوا يعرفون سلفا هذه النتيجة..ولكن!
واضح أن القوى السياسية التي جاء لودريان لحثها على معالجة الواقع ،لم تكن راضية عن نتائج الزيارة ومفاعيلها ،حتى لدى صديق فرنسا الأغرّ الرئيس سعد الحريري،الذي يقال إنه فهم من لودريان أنه يحمّله مسؤولية العرقلة مثله مثل غيره من القوى.و”غيره من القوى” يعني الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الحر جبران باسيل.
وحدها شريحة من اللبنانيين تحمل لواء المعارضة ،انتشت بزيارة الوزير الفرنسي الذي”كرّمها” بجلسة عصماء في “قصر الإمارة”(قصر الصنوبر)،وهو يعي ويعرف تماما،كما يعرف اللبنانيون، أن هذه الشريحة “ليست بالعير ولا بالنفير” ولا هي قادرة على إحداث أي تغيير في هذه المرحلة السوداء(مع كامل الاحترام للشخصيات المشاركة).
جاء لودريان الى لبنان كمندوب سام في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، حاملا عصا غليظة مهددا بالويل والثبور وعظائم الأمور،وكأن الجيش الفرنسي المستعمر يحتل لبنان من أقصاه الى أقصاه.هكذا أوحت، قبل وصوله ، بعض وسائل الاعلام اللبنانية التي عاشت عهد الانتداب ،وفي ظنها أن قلعة راشيا تجهزت من جديد لاستقبال معرقلي “المبادر الفرنسية” ،تماما كما حصل عام 1943،فأحيى بعض المحللين أبطال الاستقلال من قبورهم.
أقل ما يقال هذا الصباح في وسائل الاعلام وفي المعلومات المتداولة أن معالي الوزير الفرنسي عاد ب”خفي حنين”.غادر داعيا الى الالتزام بموعد الانتخابات مراهنا على التغيير ،وكأن مشكلة لبنان اليوم هي في الانتخابات والرهان عليها ،وليست في أسعار البطاطا وحليب الأطفال والسلع الغذائية.
حقيقة لم يفهم معظم اللبنانيين حتى الآن لماذا جاء لودريان ، ولماذا عاد بهذه النتيجة.فقد حضر رئيسه إيمانويل ماكرون مرتين الى لبنان في أقل من سنة ،ومع ذلك جاء كما عاد من دون جدوى.ولو أراد اللبنانيون إكرام فرنسا ،لكان الأحرى بهم إحترام إرادة الرئيس وليس الوزير.
هناك خلاصة منطقية لما حصل ويحصل ،كي لا يظل اللبنانيون متعلقين بحبال الهواء:لا دور فاعلا لفرنسا في لبنان في هذه المرحلة على الرغم من كل الضجيج الذي ساد منذ إطلاق ما يسمى ” المبادرة الفرنسية “.فالدولة العجوز التي سادت ثم بادت،حتى لو حكمها الشباب، ليس مسموحا لها التدخل في شؤون المنطقة في ظل الحضور القوي لجلالة النظام العالمي الأميركي الذي يحرّك المكونات الشرق أوسطية ،تارة بالقوة العسكرية والعقوبات الصارمة ،وطورا بالدبلوماسية الناعمة والمساعدات التي لا تسد رمقا،وغالبا بالمفاوضات المضنية عندما تعجز هذه وتلك.ومن يراقب اليوم تطورات المنطقة وتحركاتها يستخلص الكثير من الدروس والعبر.
لقد ظنت فرنسا أن واشنطن نامت نواطيرها عن ثعالب الشرق الأوسط ،فحاولت أكل العنب في لبنان وبعض دول المنطقة .هي سعت على قاعدة أن للنجاح أجرين، وللفشل أجر واحد .لكن كل أوروبا باتت تعي جيدا أن لا نصيب لها في هذا الشرق إلا الفتات.
في الخلاصة، ثمة من ينصح فرنسا بالاهتمام بهمومها ،وهي للأسف لا تقاس بهمومنا وأزماتنا المستفحلة ،والتي تنبئ بالمزيد من السواد،وليس أقلها أننا على أبواب عتمة حالكة نتيجة النكد السياسي الذي وصل الى أبواب المجلس الدستوري المفترض به التعقل ومراعاة الظروف القاسية للناس،وسط حمأة الأسعار التي لا تقف عند حد.وفي النتيجة لا باب ضوء في لبنان الآن إلا بالمسارعة الى تشكيل حكومة ،أي حكومة ،كي يتنفس اللبنانيون بعض الأوكسجين قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع ،والسلام على من اتبع الهدى!
*قصة المثل “تيتي تيتي” منسوبة لدودة صغيرة أسمها (تيتي) كانت تعيش مع أمها ، وحين كبرت (تيتي) قالت لها أمها: يا بنيتي لقد كبرتِ وأصبحتِ قادرة على أن تحصلي على رزقكِ بنفسك ِ، فأسعِ في مناكبها ، وابحثي ولا تعتمدي عليّ بعد اليوم .وما كان على (تيتي) الصغيرة إلا أن تطيعَ أمها ؛ فخرجت من بيت أمها باحثة عن الطعام ؛ فوجدت جوزة فدخلت من ثقب فيها وأخذت تأكل مما في داخلها، وبقيت تأكل وتأكل حتى سمنت ،وحين أرادت الخروج من الجوزة لم تستطع لأنها صارت سمينة ، فانتظرت أياما صامَتْ في خلالها عن الطعام حتى ضعُفت وعادت كما كانت نحيلة؛ فاستطاعت الخروج من الجوزة والعودة إلى أمها ، فقصت (تيتي) ما جرى لها على أمها، فقالت لها : (تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي) ، فذهبت مثلا.
زر الذهاب إلى الأعلى