زيارة بايدن للمنطقة بين الأهداف والنتائج:هل عاد الرئيس الأميركي بخفي حنين؟(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
جاء الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة وفي ذهنه ثلاثة بنود يطمح من ورائها إلى تحسين صورة الإدارة الأميركية على أبواب الانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ وحكام الولايات في تشرين الثاني المقبل ،والتي يسعى الحزب الديموقراطي،إلى تحقيق فوز فيها على الحزب الجمهوري.فالانتخابات لدى المسؤولين الأميركيين هي “قدس الأقداس” ،وغالبا ما يتمحور نشاطهم وتحركاتهم في الداخل والخارج من أجل “جلالتها”.
وتعيش الولايات المتحدة هوس الانتخابات والتصويت مرة كل عامين، حيث تجرى الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات، بينما يتم إجراء انتخابات نصفية، أي فى منتصف الفترة الرئاسية، على مقاعد بمجلسى النواب والشيوخ وعدد من حكام الولايات.
ويحاول الحزب الديمقراطى فى الانتخابات المقبلة، الحفاظ على أغلبيته الضعيفة فى مجلس الشيوخ، حيث تحمل نائبة الرئيس كامالا هاريس الصوت المرجح، وأغلبيته البسيطة أيضا فى مجلس النواب فى عام طغت عليه أزمتا أوكرانيا والتضخم القياسى.
من هنا حملت زيارة الرئيس بايدن للمنطقة أهمية بالغة بالنسبة للإدارة الأميركية والحزب الديموقراطي،علها تسهم في تحسين أوراق الإدارة والحزب لما تبقى من ولاية الرئيس بايدن.
في الأهداف
أما البنود الثلاثة التي يعول عليها بايدن في هذا المجال فيمكن تظهيرها على النحو الآتي:
- البند الأول يتعلق بضمان أمن إسرائيل وتوسيع جبهة أصدقائها في المنطقة، لما يحمله هذا الأمر من إنعكاس لدور الجالية اليهودية الأميركية في الانتخابات الأميركية بشكل عام،فضلا عن الدور الذي يلعبه الكيان الصهيوني كشرطي أميركي في المنطقة يحقق المصالح الأميركية.وعليه كان إعلان القدس بين بايدن ورئيس وزراء العدو يائير لبيد معبّرا عن هذا المنحى.
- البند الثاني يهدف إلى تحقيق استقرار في أسعار الطاقة من خلال زيادة إنتاج النفط ،بعد أن بلغ التضخم أشده في الولايات المتحدة ،وباتت أسعار المحروقات تلهب معيشة الناخب الأميركي.
- البند الثالث استعادة ما فقدته الولايات المتحدة من نفوذ وعلاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية في المنطقة ،نتيجة السياسة التي اتبعتها إدارة بايدن مع الدول العربية ،خاصة الخليجية منها،وعلى الأخص المملكة العربية السعودية بعد قضية مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في تركيا.
هل نجح الرئيس بايدن في تحقيق هذه الأهداف؟
قبل الإجابة على هذا السؤال ،لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي كاد يغط بالنوم وهو يستمع إلى خطابات القادة العرب ،وهم يغمّسون خارج الصحن الأميركي الذي يحمله بايدن ،في قضايا فلسطين وإيران واليمن وسوريا والتنمية وغيرها من المواضيع.وحده ربما أمير قطر تميم بن حمد طرق الباب الذي يزعج إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة،في وقت كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يرأس القمة وهو يزهو كالطاووس ،بعد أن أجبر زعيم أكبر قوة عالمية على الرضوخ والمجيء صاغرا إلى الحضن السعودي بعد سنتين من المناكفات.
في النتائج
في البند الأول يعرف الرئيس بايدن والإسرائيليون أن ضمان الأمن الإسرائيلي لم يتحقق ولن يتحقق ما دامت حقوق الشعب الفلسطيني ،وإنشاء دولته المستقلة على الأقل،هي خارج إطار البحث والإنجاز،لدرجة أن الرئيس الأميركي نفسه الذي ينادي بحل الدولتين ،إعترف صراحة بأن هذا الأمر ليس سهل التحقيق في الظروف الحالية.وعليه فإن مضامين إعلان القدس ستبقى حبرا على ورق.
صحيح أن السعودية سايرت بايدن بفتح أجوائها أمام الطيران المدني الإسرائيلي ،لكن وزير خارجية المملكة كان واضحا في تأكيد عدم التطرق إلى أي أحلاف أو “ناتو عربي” تكون إسرائيل من ضمنه،في وقت يؤكد مسؤولون خليجيون أن انفتاح السعودية لن يبلغ حالة التطبيع مع الكيان الصهيوني قبل امتثاله لمقتضيات المبادرة العربية للسلام.
في البند الثاني المتعلق بالطاقة حقق الرئيس الأميركي خرقا في هذا المجال بالاتفاق على زيادة إنتاج النفط خلال شهري آب وأيلول المقبلين ،ما يعني انخفاض أسعار البترول في المرحلة المقبلة ،أو على الأقل تحقيق استقرار في الأسعار.إلا أن هذا الخرق ليس مضمونا تماما مع استمرار الحرب الأوكرانية والعبث الغربي بالاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية.
في البند الثالث يقول الكثير من المسؤولين والمعلقين الخليجيين إن الولايات المتحدة تأخرت في استعادة ما فقدته في المنطقة،حيث عقد الخليجيون في السنوات الماضية اتفاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية مع الشرق الصيني والروسي وغيرهما.فالسعودية عقدت اتفاقات تجارية مع الصين وعسكرية مع روسية وهي تفاوض إيران على تحقيق تفاهم بين البلدين ،وكذلك فعلت الإمارات التي ترفض الانخراط في أي حلف ضد إيران ،فضلا عن قطر وعمان والكويت التي تحرص جميعها على علاقات طيبة مع المحور الشرقي.
أمام هذه المعطيات لم يكن مفاجئا ما خرجت به قمة جدة وزيارة بايدن للمنطقة ،على الرغم من الكلام المعسول العالي السقوف الذي حمله البيان الختامي للقمة والخطب التي ألقيت خلالها ،والمؤتمرات الصحافية والبيانات التي صدرت على الهامش،مع العلم أن القادة العرب التسعة الذين شاركوا في القمة باتوا لا يصدقون وعود وعهود الولايات المتحدة.
قياسا على ما تقدم تبدو قرارات قمة جدة في بيانها الختامي وما خفي منها ،شبيهة بقرارات قمم جامعة الدول العربية .ومن هنا يُطرح السؤال الذي ستجيب عنه المرحلة المقبلة:هل خرج الرئيس بايدن من المنطقة وعاد إلى واشنطن بخفي حنين؟