رياض نجيب الريس الذي انفضّ جمعه الجميل!
كتب واصف عواضة:
لا أتخيل رياض نجيب الريس إلا جليسا ممتعا في مقاهي شارع الحمرا،بين شلة من الأصدقاء ،رحل منم من رحل ،وانفض جمع من تبقى،وهو يلقي أجمل ما لديه من طرائف ونوادر،ينادمه الراحل عصام العبد الله وفيصل سلمان وزاهي وهبي وحسن العبد الله وشوقي بزيع وطارق ناصر الدين ورشيد الضعيف وفاطمة بيضون وعلوية صبح وآخرون ممن ضجت الثقافة بأحرفهم الذهبية.
ولسوف يفتقد معرض الكتاب العربي في "البيال" ذلك المفكر والكاتب الجميل الذي لم تغب منشورات داره عن تلك المناسبة السنوية مرة واحدة.تراه بين كتبه أو خلف مكتبه جاثما بثقل السنين التي أرهقت كاهله ،فيراودك دافع حميم بأن تقبل جبينه أو حتى يده شعورا منك بفيض المحبة والود الذي تكنه لذاك الصحافي السوري المولد، اللبناني المنشأ ،العربي الهوى.
بالأمس رحل رياض الريس عن 83 عاما وعاش جلّ حياته في بيروت التي عشقها كولهان بمحبوبة لا يمكنه العيش من دونها ،على الرغم من الهجرة القسرية التي حملته الى لندن لربع قرن من الزمن.
رياض الريس الذي كتب في الصحافة حتى الثمالة وأنشأ دارا للكتب،ظل ينشد الكثير ولم يرض طموحه الفكري والثقافي ،على الرغم من أنه واحد من آخر الكبار في حضرة صاحبة الجلالة.
رياض هو الابن الأول للصحفي السوري نجيب الريس من زوجته الثالثة راسمه سمينة ذات الأصول التركية. على الأغلب لم تكن متعلمة غير أنها تجيد القراءة والكتابة. وصفها ولدها بأنها كانت حادة الذكاء. أدارت جريدة "القبس" لست سنوات بعد وفاة زوجها وفي ظروف سياسية صعبة.
نشأ في جو غني وكانت "القبس" أول جريدة يمارس فيها خطواته العملية الأولى ،وذلك بعد التدريب الذي تلقاه في مدرسة برمانا التي كانت قد اكتسبت سمعة جيدة في أوساط الوجهاء السوريين، فهي تتبع النمط الإنجليزي الذي كان قد بدأ في اجتذاب أنصار عديدين في مواجهة النمط السائد للمستعمر الفرنسي. في هذه المدرسة تلقى رياض الريس خبرات عديدة في السياسة والصحافة والفن، فقد كانت تضم نخبة النخبة، وهو ما جعلها قبلة عائلات الطبقة البرجوازية المتوسطة في مختلف أنحاء البلدان العربية.
هناك فهم رياض السياسة من خلال الممارسة ،عندما يُضرب مع زملائه احتجاجاً على رفض رئيس المدرسة المستر دوبينغ تعطيل الدراسة يوم 22 آذار وهو عيد تأسيس الجامعة العربية. وهناك بدأ يتعلم على يد أحد المعلمين حب الشعر ويفهم علم العروض ويبدأ في قراءة التراث والأدب المعاصر، وفي برمانا يقوم مع زملائه بتجربة إصدار الجرائد والمجلات.
ومن برمانا إلى لندن، وكانت أزمة السويس قد بدأت في الاشتعال فوجد المؤلف نفسه مرة أخرى في قلب السياسة والصحافة من خلال رابطة الطلاب العرب في المملكة المتحدة وايرلندا ،ومن خلال مجلة "آراب ريفيو" التي تصدر عن الرابطة والتي تولي تحريرها ليحيلها من منشور طلابي مهلهل إلى مجلة تستقطب مجموعة من الكتاب من بين طلاب الدراسات العليا من العرب والأساتذة والمفكرين من خارج المحيط.
عمل رياض مع كامل مروة مؤسس جريدة الحياة الذي وفّر له فرصة العمل مراسلاً صحافياً في فيتنام عام 1966، وهي التجربة التي أكملها مع غسان تويني في النهار.
في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، غادر رياض إلى لندن. وفي عام 1977، أصدر جريدة «المنار» وكانت أول جريدة عربية تصدر في أوروبا. ثم أسس " شركة رياض الريس للكتب والنشر" سنة 1986. وما إن هدأت الأوضاع، حتّى نقل عمله إلى بيروت. وبعد عشرين سنة على عودته، خامره شعور بالندم حيث يقول: «فشلت في تحقيق مشروعي الصحافي. فشلت في أن يكون لي دور ككاتب مؤثر في الصحافة اللبنانية. نجحت جزئياً كناشر. لكن هذا لا يرضيني. أنا صحافي. النشر هو وسيلة لتأمين العيش. هذا ندم مهني. ندمي الشخصي أكثر مرارة بكثير. لقد عدت إلى بيروت بحنين عاشق لامرأة تركها ربع قرن، ظانّاً أن الزمن لم يغيّرها. رغم الصدمة، حاولت أن أغفر لها. ثم اكتشفت أن التغيّر أكبر من لهفتي وحنيني».
من مؤلفاته:
• الخليج العربي ورياح التغيير
• رياح الجنوب
• رياح السموم
• ريَاح الشرق
• صحافي ومدينتان
• قبل أن تبهت الألوان صحافة ثلث قرن
• مصاحف وسيوف
• رياح الشمال
• صراع الواحات والنفط: هموم الخليج العربي
• الفترة الحرجة: دراسات نقدية
• أرض التنين الصغير: رحلة إلى فيتنام
• موت الآخرين، شعر
رياض الريس الضاحك أبدا، الذي عرفته وعايشته وجالسته ردحا من الزمن سيظل عنوانا كبيرا في ذاكرتي ،صديقا وزميلا كبيرا.رحل رياض وبقيت دار نجيب الريس لتنعش ذاكرتنا بأجمل الأصدقاء الذين رحل منهم من رحل ،وانفض جمع من تبقى في زمن الكورونا اللئيم.