محمد قجّة – الحوارنيوز خاص
1 – رأيته في جلبابه الأسود يمشي حائرا بين الركام والفراغ . اقتربت منه وقلت : مرحبا بك ايها الشهر الكريم في حلب المحروسة , ولكن لماذا أراك بثيابك السود .
صوّب رمضان نظراته الي وقال :
كنت آتيكم كل عام مبتهجا مرتديا ثيابي البيض والخضر والوردية . وكنت أطوف بين الناس في زحمة الأسواق أصغي لأصواتهم وأتابع حركاتهم النشطة . كنت اقف امام مئذنة جامعكم الأموي الكبير أترقب المؤذن وهو يصدح : الله أكبر . كنت أرى البسمة على وجوه الأطفال ، ولمسة النقاء على وجوه الناس وهم يتعبدون بصيام أيامي وان كانت ساعاتها طويلة وحارة .
2 – وها أنا اليوم أطوف لأرى الأسواق فلا أرى فيها البهجة ولا أرى الفوانيس تبدد ظلام الليل الذي حرمتموه الضياء بنزاعاتكم . وآتي لسماع الأذان فلا أرى مئذنة الأموي،ولا أسمع صوت مؤذنها . أين منارة جامعكم التي بقيت ألف سنة ولم تنل منها يد الدمار ثم أتيتم أنتم فحولتموها الى ركام ؟
دخلت أبحث عن منبر صلاح الدين فلم أجد له أثرا في جامعكم العظيم .ويسعدني انكم تعيدون ترميم جامعكم وبناء مئذنته الفريدة اليوم .
3 – ولكن اعادة اعمار مدينتكم المدمرة المنهوبة المستنزفة يحتاج الى عشرات السنين ، والى اموال طائلة ليست في متناولكم ، والى زنود علماء ومهنيين نزح اكثرهم وقد لا يعودون ، وصاع ابناؤهم في مغترباتهم .
4 – كنتم تستقبلونني بالمباهج وطلقات الترحيب بمدفع رمضان.
وها أنتم اليوم تستقبلونني بمدافع دماركم وقذائف أحقادكم وتفجيرات إجرامكم وفساد لصوصكم !!!!!
كنت ارى موائدكم الرمضانية الفاخرة تزهو بمطبخها الحلبي الذي قال عنه المعري في رسالة الغفران : إنه مطبخ اهل الجنة ، واليوم لا أرى تلك الموائد ولا الحلويات المشهورة.لقد اصبح كل ذلك حلما بعيد المنال ، والناس يلهثون وراء رغيف الخبز ، ولحظة الدفء المفقودة .
5 – متى تستفيقون ؟ متى أعود اليكم وقد أنارت قلوبكم وبيوتكم وشوارعكم وارتويتم بعد ظمأ ظالم عانيتم منه بلا مبرر . لن أنتظر العام المقبل . ولعلكم تفرحونني بأخباركم قبل أن أغادركم في آخر أيامي .
وداعا أهل حلب الكرام، ونلتقي وقد زالت محنتكم السوداء التي لم يشهد التاريخ مثيلا لهولها وفظاعتها وجنونها .
*باحث ومؤرخ – سورية