الحوارنيوز – الأخبار
تحت هذا العنوان كتب محمد خواجوئي في صحيفة الخبار يقول:
رسائل كثيرة حملها سلطان عُمان، هيثم بن طارق، معه إلى طهران التي يزورها للمرّة الأولى منذ تسلُّمه منصبه قبل ثلاث سنوات. وإذا كانت العلاقات بين البلدَين في أحسن أحوالها، ولا سيما أنها لم تتأثّر بأيّ توتّرات أو تصعيد، إلّا أن ضغوطاً مورست على مسقط، لا سيما من جانب لندن، لإبقاء العلاقات عند مستواها الحالي، بعدما اشترطت الأخيرة لتوقيع البلدَين على وثيقة للتعاون طويل الأمد، مدّتها 25 عاماً، وقْف التعاون العسكري بين طهران وموسكو في الحرب الأوكرانية. وإذ يبدو أن البتّ بالوثيقة المذكورة أُرجئ إلى وقتٍ آخر على رغم الاتفاق على بنودها، يَظهر، في المقابل، أن نافذة مصالحة انفتحت بين الجمهورية الإسلامية ومصر، التي زارها السلطان قبل وصوله إلى إيران، فيما نقل لمضيفيه مقترحاً من جانب الأطراف الغربية يقتضي عقد «اتّفاق مؤقّت» لحلّ المسألة النووية، كانت قد رفضته طهران في ما مضى
استضافت العاصمة الإيرانية، يومَي الإثنين والثلاثاء، سلطان عُمان، هيثم بن طارق آل سعيد، في زيارة هي الأولى له إلى هذا البلد – منذ تولّيه منصبه في كانون الثاني 2020 -، جاءت تلبيةً لدعوة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي كان زار في مثل هذه الأيام من العام الماضي، مسقط. والتقى السلطان، لدى وصوله إلى طهران مساء الأحد، رئيسي، ثمّ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، في اليوم التالي. وتتميّز العلاقات الإيرانية – العُمانية بثباتها واستقرارها وبُعدها عن أيّ توتّر وتصعيد، لا بل يمكن اعتبار السلطنة البلد الأقرب إلى الجمهورية الإسلامية، من بين بلدان «مجلس التعاون الخليجي». كذلك، اضطلعت مسقط، خلال السنوات الأخيرة، بدور الوسيط بين طهران وواشنطن في الفترة التي سبقت إبرام الاتفاق في شأن البرنامج النووي الإيراني لعام 2015، وفي ملفّات أخرى مختلفة. ولذا، فإن أوّل ما يتبادر إلى الذهن عندما يزور مسؤول عماني طهران، أو يزور مسؤول إيراني مسقط، أن ثمّة رسائل يتمّ تبادلها بين إيران والولايات المتحدة، أو أن لقاءً سرّياً قد يحصل بين مسؤولي البلدَين.
ويُظهر وجود مسؤولين رفيعي المستوى ضمن الوفد السلطاني، مِن مِثل وزير المالية سلطان بن سالم الحبسي، ورئيس جهاز الاستثمار عبد السلام بن محمد المرشدي، ووزير الصناعة والتجارة قيس بن محمد اليوسف، ووزير الطاقة والمعادن سالم بن ناصر العوفي، وكذلك وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي، أن متابعة الموضوعات الثنائية والاقتصادية شكّلت أحد الأهداف الرئيسة للزيارة، التي تمّ خلالها التوقيع على أربع وثائق للتعاون في مجالات الاقتصاد والاستثمار والطاقة. وكان وقّع البلدان، أثناء الزيارة التي قام بها رئيسي إلى مسقط العام الماضي، على 12 وثيقة للتعاون في مجالات السياسة والطاقة والنقل والتعاون الديبلوماسي والعلاقات التجارية والاقتصادية والعلمية والبيئة والرياضة. وخلال اللقاء الذي جمع وفدَيهما، الأحد، قال الرئيس الإيراني إن طهران ومسقط «انتقلتا من المرحلة التجارية إلى مرحلة الاستثمارات»، فيما أكد السلطان العماني أن العلاقات الثنائية والتعاون الإقليمي بين الجانبَين، تعزّزا عقب زيارة رئيسي إلى مسقط، فضلاً عن ازدياد حجم التبادل التجاري بضعفَين.
وعلى رغم الجهود التي يبذلها البلدان لتوثيق علاقاتهما، يبدو أن بعض الأطراف الغربية تسعى إلى عرقلة هذا المسار. إذ تفيد المعطيات التي حصلت عليها «الأخبار»، بأن فريقَي خبراء البلدَين أجريا، قبل زيارة هيثم بن طارق إلى طهران، محادثات حول صياغة وثيقة للتعاون طويل الأمد مدّتها 25 عاماً، اشتملت مسوّدتها على محاور مِن مِثل إنشاء الممرّ الأخضر (نقل المحاصيل الزراعية الإيرانية إلى عمان)، وإنشاء خطّ أنابيب نقل الغاز الإيراني إلى عُمان، وكذلك بناء طريق لنقل المنتجات الروسية إلى إيران بالحاويات عبر موانئ سلطنة عُمان وتفريغها في هذا البلد. لكن وعلى النقيض من المسار السابق لمحادثات فريقَي الخبراء، طلب الجانب العُماني شطب هذه التوافقات من جدول أعمال محادثات رئيسي وابن طارق، معلّلاً طلبه بأنه يريد «إجراء المزيد من الدراسات التخصّصية». بيدَ أن مصادر مطّلعة أفادت «الأخبار» بأن سلطان عُمان تعرّض لضغوط من جانب لندن للحدّ من حصول هكذا اتّفاقات. ووفق المعلومات، فإن المملكة المتحدة، ومن خلال ممارسة الضغط على الأردن أيضاً، تحول دون استمرار الوساطة العُمانية لتبادل السفراء بين طهران وعمّان، وهي تطالب بوقف التعاون العسكري بين إيران وروسيا في الأزمة الأوكرانية، للسماح بانفراجة في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية والمملكة الهاشمية، وكذلك الاتفاق طويل الأمد بين الأولى وبين سلطنة عُمان.
ولطالما ارتبط اسم عُمان بالتوسّط في تبادل الرسائل بين إيران والدول الأخرى، ولا سيما الغربية. وفي هذا الإطار، أُفرج، الأسبوع الماضي، عن عامل الإغاثة البلجيكي أوليفييه فانديكاستيل، والديبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، في إطار خطّة لتبادل السجناء بين إيران وبلجيكا بوساطة عُمانية. كما بذلت السلطنة جهوداً كبيرة في ملفّ تبادل السجناء بين إيران والبلدان الغربية، خصوصاً في ما يتّصل بالإفراج عن ثلاثة سجناء أميركيين كانوا في إيران، في مقابل الإفراج عن نحو 10 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمَّدة لدى كلٍّ من العراق وكوريا الجنوبية واليابان. وعلى رغم مضيّ سنتين على المحادثات غير المباشرة التي اضطلعت فيها مسقط بدور مهمّ في تبادل الرسائل بهذا الخصوص، إلّا أن الوساطة العُمانية لم تحقّق النتيجة النهائية المنشودة إلى الآن. أيضاً، تُواصل عُمان، في الآونة الأخيرة، جهوداً في سبيل إحياء العلاقات بين إيران ومصر، وهي عرضت، في لقاء سلطانها بالمرشد الإيراني، وفق المعلومات التي استقتها «الأخبار»، آخر اقتراحات وملحوظات القاهرة، التي كان ابن طارق زارها قبل وصوله إلى طهران. وفي السياق نفسه، نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن خامنئي قوله، خلال لقائه السلطان، أوّل من أمس، إن طهران ترحّب بتحسين العلاقات الديبلوماسية مع مصر، وإنه «ليست لدينا أيّ مشكلة في هذا الصدد».
من جهة أخرى، علمت «الأخبار»، من بعض المصادر، أن سلطان عُمان حمل، خلال زيارته إلى طهران، رسائل جديدة من الأطراف الغربية لعقد «اتّفاق مؤقّت» مع الجمهورية الإسلامية، في وقت بات فيه من الصعوبة بمكان – بل من المستحيل – إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بشكل كامل. لذلك، فإن الأوساط الغربية أخذت تَطرح، في الآونة الأخيرة، فكرة التوصُّل إلى اتّفاق مؤقّت مع طهران، عبر وقف إيران التخصيب بما يفوق نسبة الـ60%، مقابل تحرير جزء من الأموال الإيرانية المجمّدة، وإعطاء الضوء الأخضر لتوسيع العلاقات الاقتصادية بين طهران والدول العربية، بما يتيح أيضاً وضع العقبات أمام الجمهورية الإسلامية ومنْعها من الحصول على قدرات إنتاج القنبلة النووية. وإذا كانت السلطات الإيرانية عارضت في وقت سابق فكرة الاتفاق المؤقّت، فلا يزال من غير الواضح – في انتظار معرفة فحوى الرسائل التي نقلها السلطان – ما إنْ كانت ستلقى قبولاً من جانبها الآن، أم أن الخلاف حول القضيّة النووية سيبقى على حاله.