كتب محمد صادق الحسيني
تدور هذه الايام معركة حامية الوطيس خلف الكواليس بين الإيراني والأمريكي،ما اضطر الأخير إلى توجيه ثلاث رسائل خلال أسبوع،وعبر وسطاء لطهران،آخرهم العمانيون،تحمل مطالب جديدة وتنازلات أمريكية،توحي بإمكانية الرجوع إلى الاتفاق النووي.
وقد تسلم الطرف العماني الجواب الإيراني برفض المطلب القديم المتجدد لمواضيع خارجة عن سياق المفاوضات النووية، وعدم ادراج المنظومة الصاروخية الدفاعية لإيران للتفاوض، والحال نفسه بالنسبة لرفع الدعم المقدّم للقضية الفلسطينية ولدول محور المقاومة.
أدركت ايران منذ بداية الاحداث التي حصلت داخليا أهداف التحركات وخلفيات الداعمين،من الدول الغربية لتأتي الرسائل كاشفة عن هذه الحقيقة.بمعنى أنّ، دعم الإرهاب بقوّة، سيدفع إيران إلى الخضوع، وبالتالي الدفع بطهران إلى فتح ملفات منها الداخل وأخرى ذات بعد إقليمي،لم تكن مدرجة ضمن مفاوضات الملفّ النووي.
ضمن هذا المعطى كانت رسالة الصاروخ البالستي الأخير الذي لا ترصده الرادارات، والقادر على اختراق جميع منظومات الدفاع التي تملكها الأطراف المعادية لإيران،لتكون الصدمة،حين نعرف أن تقنية الصواريخ الفرط صوتية التي تزيد سرعتها على ستة آلاف كلم في الساعة، لا وجود لتكنولوجيا يمكن ان تعترضها، ولا تمتلكها الا ثلاث دول هي روسيا وامريكا والصين.
يضاف الى هذا الحسم إعلان إيران قرار تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في موقع فوردو ،وإطلاق سلسلتين جديدتين من أجهزة الطرد المركزي في منشأتي نطنز وفوردو، واستبدلت أجهزة الطرد من الجيل الأول بأخرى من الجيل السادس ما يزيد من قدرة إيران النووية بمقدار 10 أضعاف، مع امكانية رفع التخصيب ل٩٠ في المئة .
ما سرب عبر الاعلام كان صدمة بالنسبة للدوائر الغربية التي اصبحت تدرك جيدا أن جمهورية ايران الاسلامية اصبح لديها الامكانات العلمية والتكنولوجيا الكاملة لصناعة اسلحتها الدفاعية والاستراتيجية، وهذا ما كانت هذه الدوائر تتخوف منه وتعمل على ايقافه بشتى الوسائل، من تصفيات علماء، إلى التفجيرات وسرقات ملفات ، على حصار وقرارات ادانة ومؤامرات وتوجيه معظم قرارات المحافل الدولية ضد ايران .
تبادل الحرب الكلامية بين إيران من جهة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والاتحاد الاوروبي من جهة أخرى، هو تغطية لعجز اوروبا الذيلية غير القادرة على فعل شيء في وضعها الراهن ،كما هو الحال بالنسبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي فقدت أهم وسيلة ضغط لكاميرات المراقبة في مجمعات التخصيب التي كانت موضوعة تحت تصرفها واشرافها.
مواقف المخاتلة للترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) في الوقت الضائع، يعتبر نفاقا لتماهي سياسي مع سيدهم الامريكي وفاقد الشيء لا يعطيه ،حيث ادعت هذه الدول الثلاث في بيان اصدرته في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ان الوضع الذي نعيشه بالغ الخطورة، وتطلب من ايران التحول عن موقفها المتصلب الحالي وتوقف توتراتها النووية حسب ما قالته.
ما جرى في الاونة الاخيرة في ايران كشف للجميع نفاق الأطراف.فحين كانت طهران تتفاوض ايجابيا في فيينا معهم ،وتطلب من الجميع تحمل مسؤولياته القانونية والسياسية ليتسنى الرجوع للاتفاقية ،تبين ان المحور الامريكي الاوروبي الصهيوني بالتنسيق مع بعض العرب، كان يحشد قواه بتدريب عناصر لثلاثة تنظيمات عرقية ومجموعة خلق وبقايا الشاه وخلايا التكفيريين، وخصص لهم ميزانية قاربت 900 مليون دولار وتم تدريبهم على حروب الشوارع والاغتيالات والتفجيرات وادارة الفوضى .
كان المخطط يقتضي بإعادة تجربة سورية ولم تنجح معهم ، بسبب الالتفاف الشعبي الكبير الذي حصل مع قيادته ،ما اضطر الاطراف المتورطة للجوء الى عمليات ذئاب منفردة .
كل هذه المؤامرات ستبوء بالفشل. فقد عاشت ايران مع بدايات انتصار الثورة الاسلامية ظروفا يمكن القول إنها مشابهة، ولعلّها أصعب من تصفيات لشخصيات وتفجيرات وحصار ،إضافة الى حرب فرضت الحرب ودامت ثماني سنوات .
رغم المحاولات المفضوحة والمستميتة للغرب بجعل أوضاع غرب آسيا وشمال افريقيا ،بين توتر دائم وعدم استقرار وحلول غير ممكنة في حدود جغرافيا طهران وفلسطين وسورية ولبنان واليمن والعراق وليبيا لخدمة معسكر العدوان الصهيو – أمريكي وحلفائه، إلا أن المعطى الدولي الذي شكلته ازمة الحرب في أوكرانيا غيّر كل الحسابات التكتيكية وسيغير الاستراتيجي كذلك، حيث يعتقد المراقبون أنّ القرار الفصل في المعركة لن يتجاوز فصل الشتاء لنصبح بين خيارين لا ثالث لهما :
- إما حرب شاملة، وهذه لا يقدر عليها الغرب مع كل ما يعانيه من الازمات القائمة، وفي ظل نسبة تضخم ترتفع يوميا والتحضير لاعلان عن بداية الركود الاقتصادي.
- وإما الجلوس إلى طاولة مفاوضات نديّة لحل الملفات الشائكة ومن اهمها قرارات الحصار ، قبل انزلاق العالم لهاوية خطيرة.
أصبح من اليقين استحالة تركيع المقاومة بالسياسة القائمة .ومع المستجدات الدولية الجديدة ووضوح الرؤية الذي يكرس اصطفاف المحور في خارطة القطبية الجديدة، وعلى هذه الحسابات لن تقبل الصين بهزيمة روسيا مهما كلف الامر، ولن تقبل روسيا بانكسار ايران مهما كانت الظروف ،ولن تقبل ايران بهزيمة المقاومة مهما كان الثمن .