رأي

رد الودائع وسلسلة الرواتب ..والتحديات الكبرى (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

 

تعتبر عملية التوفيق بين رد الودائع وتطبيق سلسلة رواتب جديدة من التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة اللبنانية في المرحلة الحالية، كما يمكن ان تواجه اي حكومة في المستقبل حيث يواجه لبنان أزمة مالية واقتصادية متعددة الأبعاد تتداخل فيها مشكلة الودائع المصرفية المتعثرة مع المطالب المشروعة لموظفي القطاع العام بتحسين رواتبهم وتعويضاتهم .

 ان تحقيق التوازن بين هذين المطلبين يتطلب فهم طبيعة كل مشكلة والبحث عن حلول تكاملية بعيدة عن الشعبوية والخوف من القرارات التي يمكن ان تكون مؤلمة بمكان ما، للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والنقدي .

ان حجم الأزمة وآليات المعالجة ما زالت قيد الدرس وتتقاذفها مؤسسات الدولة كافة من دون الوصول الى حل يرضي الجميع، ويمكن من خلالها الوصول الى رقم نهائي للفجوة المالية والتي يقدرها البعض بنحو 82  مليار دولار ، وهناك جهود لتخفيض هذا الرقم إلى 50-51  مليار دولار من خلال مراجعة الشيكات المصرفية والأموال غير الشرعية والفوائد المرتفعة .

ان كافة الافكار الخاصة بعملية رد الودائع ما زالت مجرد افكار ولم تتحول الى قانون نهائي لغاية اليوم ، وأخر الافكار هي رد الودائع التي تصل إلى 100  ألف دولار بتكلفة 14  مليار دولار على مدى 3  سنوات ، مع ضخ 4  مليارات دولار سنوياً بمساهمة من مصرف لبنان والمصارف والدولة . وهنا نشير الى ان آليات تمويل رد الودائع ما زالت غير مكتملة ويمكن ان تشمل إنشاء صندوق سيادي مستقل لاسترداد الودائع، حيث يوضع فيه كل اصل يتم استرداده من قبل الدولة والمصرف المركزي والمصارف الخاصة .

هذا بالنسبة للودائع، لكن ماذا عن مطالب القطاع العام ؟

يعاني موظفو القطاع العام من انخفاض شديد في قيمة رواتبهم ، حيث أصبح راتب موظف الفئة الرابعة (الذي كان يتراوح بين 1000 و1200 دولار) يعادل حالياً نحو 40% من قيمته السابقة بسبب التضخم وسعر الصرف والذي تم دعمه لفترة طويلة على حساب احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة بقرار تثبيت سعر الصرف لفترة طويلة ، ما ادى الى خسارة اكثر من سبعين بالمئة من الودائع .

ان عملية التوازن بين رد الودائع عبر سندات وبين عملية رفع الرواتب يجب ان تأخذ بعين الاعتبار الامور الآتية :

-     ان رد الودائع سيكون بالدولار الاميركي وبالتالي على الحكومات المقبلة ان تؤمن هذه الواردات بالتوافق ما بين مصرف لبنان ، وزارة المالية ، والمصارف التجارية ، وبالنسبة لحصة الدولة سواء عبر مصرف لبنان او وزارة المالية فيجب ان تكون من خزينتها .

-     على الحكومات اللبنانية ان تبين بند جديد في الموازنات المقبلة لتمويل صندوق رد الودائع ودفع السندات عند استحقاقها .

-     على المصارف ان تدفع حصتها في هذا الصندوق وفق قاعدة توزيع الخسائر التي يتم الاتفاق عليها مع الاطراف الاخرى .

-     ان يلتزم مصرف لبنان بالقواعد التي تلزمه بها مواد قانون النقد والتسليف لناحية تمويل الدولة او القروض التي يمكن ان يقدمها لها .

ان تأمين عملية التوازن ما بين رد الودائع وزيادة القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام تقتضي تحقيق فائض اولي دائم في الموازنة ، وهذا الامر لا يمكن تحقيقه من خلال زيادة الضرائب. فزيادة الضرائب في اقتصاد يعاني من الركود والتضخم يمكن ان يؤدي الى نتيجة عكسية وزيادة الركود، وبالتالي يمكن ان يؤدي الامر الى انخفاض في واردات الدولة والتي تعتمد بشكل اساسي على الضرائب غير المباشرة، اي على الاستهلاك ، لذلك لا بد ان تتم زيادة الضرائب من خلال إصلاح النظام الضريبي وتعزيز الجباية واستقطاب الاستثمارات وتفعيل الالتزام الضريبي والجباية ، كما يمكن ان يتحقق ذلك من خلال مكافحة التهرب الضريبي والرقمنة الشاملة للضرائب ، الرسوم ، والمعاملات الرسمية، بحيث ينخفض عامل الاحتكاك ما بين الموظف والمكلف الى الحد الادنى ، كما يمكن ومن خلال “داتا” المعلومات مراجعة وربط وتحليل الارقام بسهولة .

ان عدم التخطيط الجيد لهذه العملية يعني بكل بساطة نقل المشكلة الى سنوات مقبلة كما حصل خلال الثلاثين  سنة الماضية ، كما ان هذه العملية لا شك بحاجة الى دعم من مؤسسات دولية لها خبرة في هذا المجال، ويمكن الاستفادة من خبرة نقابات المهن الحرة في هذا المجال .

ان محدودية الموارد تعيق تمويل متطلبات كل من رد الودائع وسلسلة رواتب جديدة يطمح اليها القطاع العام اليوم، وهي حق طبيعي ، لكن المعطيات الحالية تحتاج الى تطوير وخلق ظروف جديدة مساعدة تعزز ايرادات الدولة وتخفض من الفساد والهدر في عمل هذا القطاع .

أخيراً، يجب أن تكون هناك شفافية كاملة في إدارة الأزمة المالية واتخاذ القرارات ، لضمان ثقة المواطنين والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي . ان تعزيز الثقة بالدولة اللبنانية يبدأ بخلق شفافية كاملة ما بينها وبين المواطن اللبناني ، كما يبدأ بتمكين المواطن من الوصول الى المعلومات التي يريدها والحكم عليها وتقييمها . فعدم الشفافية ، وعدم تمكين المواطن من الوصول الى المعلومات يعني اننا سنبقى ندور في حلقة الفساد المقفلة البعيدة عن ثقة المواطن ما يزيد من البعد ما بين المواطن والدولة .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى