ردْ إيران والدور الروسي (جواد الهنداوي)
السفير الدكتور جواد الهنداوي – الحوار نيوز
تأخّرَ الرّد ،ولكن حجمه وقوته واثره تُسقِط عيب او عتب التأخير ، وتُبّرره فنياً وسياسياً .
نتنياهو ،ومن معَ نتنياهو ( اعضاء حكومة ) ،وخلفه من دول ، يقاتلون وفق شعورين او هاجسين : شعور بالخطر الوجودي للكيان ، وشعور بالجنون او الاستهتار . فالمعركة او الحرب بالنسبة لهم هي حرب وجود ،مصحوبة بجنون او استهتار بكل ما في حولهم من قواعد و قوانين وأخلاق وقيم ، والدليل هو التناقض في متبنيات نتنياهو ؛ فهو يقول ويعلن صراحة بأن الحرب هي حرب وجود ،وفي ذات الوقت يتبنى هدفا ،اكبر وابعد بكثير من كيان يعاني خطر وجود ، الهدف هو تغيير الشرق الأوسط !
مَنْ يواجه خطر الوجود في المنطقة ،لن يسعى الى الهيمنة على المنطقة ،لذلك أصفه مسؤولاً مهووسا بلوثة الجنون ،او الاستهتار ، وأمريكا والغرب ،بدعمهم اللامحدود له ،يدفعونه اكثر إلى التهور وارتكاب المزيد من الجرائم .
اذاً ،المنطقة امام عدو بهذا الوصف ، وعلى مَنْ يقاومه بالسلاح ،او يساومه بالسياسة والدبلوماسية ،أن يعي حالة عدوه او خصمه . بعبارة أخرى ، لا تنفع معه ( واقصد مع نتنياهو ) قواعد اشتباك ، و إذا اضطرَ خصمه إلى التعامل معه ،وفقاً لقواعد اشتباك ،لردحة من الزمن فنيّته ليست السلام او الحل ،وانما خدعة ولكسب الوقت ،وهذا ما شاهدناه ولمسناه .
كما لا تنفع معه مباحثات سلام وتواصل.
لماذا ؟
لانه ،وبكل بساطة ، شخص او كيان لا يؤمن بالسلام ،ولا يعترف بحقوق الآخر ،بل يتربّص للآخر .
لا أظّنُ أنَّ الإيرانيين يجهلون هذا المُعطى او الاستنتاج ،ولعلهم أدركوه مؤخراً ، فنفذّوا ضربتهم واستعادوا توازن قوة الردع ، والرئيس الإيراني ،والذي هو اكثر انفتاحاً من المسؤولين الإيرانيين الآخرين ،عادَ ليقول ” خدعونا الأمريكان بوعودهم الكاذبة ” .
الحرس الثوري الإيراني هو الذي تبنى الهجوم الصاروخي على إسرائيل في 2024/10/1 .و الرّدْ ،و الذي طال انتظاره ودخل مرحلة ” التسويف ” ، تأخّر لاسباب سياسية وعسكرية او فنيّة : سياسية خارجية وداخلية .
اعتقدت ايران ،حسبما صرحوا ،إمكانية مقايضة عدم الرّدْ ،على انتهاك سيادتها وارتكاب عمل ارهابي باغتيال القائد هنيّة ، بوقف حرب الابادة في غزّة ، او حرب ” العقربادة ” حسب المصطلح المستخدم من قبل الزميل البروفسور مكرم خوري مخول ، ويقصد فيه حرب عنصرية وابادة . وبُني الاعتقاد على وعود أمريكية خادعة و كاذبة . داخلياً ،كانت الرئاسة الإيرانية ، وعلى خلاف الحرس الثوري ورأي البرلمان الإيراني ، ترجّح التريث في الرّدْ والقبول بعدم الرّدْ مقابل وقف الحرب في غزّة .
أمّا من الناحية العسكرية و الفنية ، ونظراً لخصوصية الرد في حجمه وقوته وظرفه الزمني ، شاورت إيران روسيا ، وقبيل الرد بيومين ،عقد الرئيس الروسي اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع او الامن القومي الروسي ، و زار وزير الخارجية الروسية طهران ،قبل الهجوم بيوم واحد ، الأمر الذي يدل وبوضوح تشاور او تعاون بين ايران وروسيا بخصوص الهجوم الصاروخي ، الذي شنّه الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل . قد يكون هذا التعاون ابعد وغير محدود بالهجوم الصاروخي ، وكُلنا نعلم بأنَّ لروسيا قواعد عسكرية في سوريا ، ولبنان الجنوب ليس بعيداً عن القواعد الروسيّة في سوريّة . ومن مؤشرات الاستهتار والغباء الاسرائيلي الصهيوني ، يحسبُ نتنياهو ،بتهديده لاي طائرة نقل إيرانية او عراقية تهبط في مطار بيروت ، يستطيع ان يمنع وصول المساعدة والعون إلى جبهة القتال في جنوب لبنان .
هذا التعاون او التواصل الروسي الإيراني ،والعلني ،قبيل الهجوم بساعات ،هو بمثابة رسالة روسيّة لأمريكا ، التي تمّد زيلينسكي بالسلاح المتطور لمهاجمة العمق الروسي .حينها صرّحت الادارة الأمريكية وعلناً ،وكذلك مسؤولون ألمان و فرنسيون ،بسماحهم للجيش الاوكراني بأستخدام سلاحهم لمهاجمة العمق الروسي . وقد أجابهم الرئيس الروسي ،حينها ،بالمثل ،حيث قال ، ” نحن سنمدُ اصدقاءنا اينما كانوا والذين يقاومون الوجود الأمريكي ” .
تعمّدت روسيا ان يكون تواصلها الرسمي مع ايران ،وقبيل الهجوم بساعات ،علنيا وصريحا ،لتعزيز دورها و نفوذها وإشهاره ، وانها ليست غائبة عما يدور في المنطقة . هذا ماهو مُعلنْ ، اما ما خفي علينا ،حتماً لا يُخفى على اجهزة الترصد الامريكية و الغربية والاسرائلية .
وعلينا ان نعي خطورة الموقف ومايدور في المنطقة ، وسببه الاستهتار الاسرائيلي والدعم الأمريكي والغربي غير المحدود لهذا الاستهتار . علينا ان نعي وندرك ابعاد المخطط الصهيوني في المنطقة وفي العالم ، حين تظهر ابعاده في ما يقوله ويردده نتنياهو ” سنغيّر الشرق الأوسط ” ! ويؤيده و يدعمه في هذا المسار و الرؤية امريكا و فرنسا . مسار و رؤية مرتكزتان على الجرائم والتوسع والاحتلال ، وعدم احترام وتطبيق القانون الدولي و قرارات الامم المتحدة ، ويصف الغرب ، ما تقوم به إسرائيل ” دفاعا عن النفس ” .
مؤلم حقاً ان تسمع ” نتنياهو ” يجرؤ على القول بأنه ” سيغيّر الشرق الأوسط ” .