العين هذه الأيام على “خورفكان” المدينة الساحلية الجميلة على شواطئ الخليج وواحدة من اهم المدن السياحية الإماراتية، وقد تعرَّف كثير من جمهور الوطن العربي عليها في أوائل الألفية الثانية من خلال المسلسل السوري الكوميدي الشهير “يوميات جميل وهناء” مع أيمن زيدان ونورمان أسعد.
في تلك الفترة، ظن معظم متابعي الشاشة الصغيرة أن هذه المدينة من وحي خيال أم محمود (سامية الجزائري) اذ كانت تقول إن ابنها البكر محمود سيرسل لها أموالاً من “خورفكان”، لكن المال لم يصل في جزئي المسلسل. عادت اليوم خورفكان الى الذاكرة لا سيما في لبنان والعراق من بوابة جديدة، إذ تحتضن تاسع المدن الإماراتية فرصة تاريخية لرياضات “بلاد الأرز”.
واذا كانت كرة السلة أول لعبة جماعية رفرف من خلالها علم لبنان في كأس العالم، فإن لعبة كرة الصالات “فوتسال” مرشحة وبقوة لتكون الرياضة الثانية في المونديال.
اذا، بعيداً عن مآسي الشعب اللبناني وأوجاعه في ظل كل ما نعانيه، نذهب في فسحة رياضية من شأنها رسم بسمة على ثغور شريحة كبيرة ولا سيما الرياضيين.
حلم طويل وتحضير قصير
منذ بدايات اللعبة المتفرعة من كرة القدم، مرت الفوتسال بكثير من المحطات، شاركت فيها الأندية الرئيسة في المعادلة (النجمة، الأنصار والعهد…) قبل أن يُتخذ القرار الجريء بفصلها عن كرة القدم ومنع تداخل اللاعبين أي عدم السماح بمشاركة أي لاعب في اللعبتين معاً.
هنا راحت “الفوتسال” تنحى الى طموحات مختلفة مع خوض بطولة آسيا المؤهلة الى المونديال. وقد حرم هدف وحيد رجال الأرز من بطاقة المونديال عام 2012 في دبي.
اليوم، عادوا الى الأراضي الإماراتية ولكن هذه المرة في مهمة محددة، خوض مباراتين مع الخصم نفسه وعلى ضوء نتيجتيهما، إما ينبثق فجر جديد للعبة وإما تضيع فرصة جديدة قد لا تتكرر والأرجح لن تتكرر.
ولأن كل شيء تقريباً مرتبط هذه الأيام بفيروس “كورونا” فإن الجائحة حددت معالم المهمة، فأضحى على منتخبنا خوض مباراتين مع فيتنام في 23 و25 أيار الحالي. لن نسافر الى فيتنام لخوض مباراة الذهاب بسبب شروط “كورونا” القاسية لديهم، ولن يزورنا الضيوف إيابا في بلادنا لأننا باختصار لا نملك ملعبا مؤهلاً لاستضافة مباريات بهذه الأهمية وهذا بحد ذاته موضوع كبير لا داعي لمناقشته حالياً.
اتفقنا نحن وفيتنام على إقامة المباراتين على ارض محايدة. وافقت الامارات على استقبالنا، وفي اطار توزيع الاستضافات ونشر اللعبة أكثر على مدنه، فضل الاتحاد الاماراتي إقامة المباريات في “خورفكان” وهكذا كان.
فترة قصيرة جدا فصلت بين اعتماد صيغة التأهّل والسفر، وبدأ المشوار بسرعة التعاقد مع مدرب أجنبي، فوقع الخيار على الإسباني راميرو دياز الذي تسلم منتخباً مليئاً بالطاقات لكنه “مشرد” ومعظم أعمدته الرئيسية بحاجة الى إعادة تأهيل.
استُدعي علي طنيش “سيسي” من نادي النجمة في كرة القدم، وتراجع كريم أبو زيد عن اعتزاله فعاد من ابيدجان في إجازة أسبوعين، كما التحق محترف نادي نفط الجنوب العراقي احمد خير الدين بالتمارين برغم الإصابة، فيما استدعت الضرورات عودة حارس المرمى ربيع الكاخي الى عرين الفوتسال بعد غياب طويل. ومعه توقف قطار الاستعانة بلاعبين من خارج الدوري الحالي لكرة الصالات، بعدما اثير كلام كثير حول نجوم سابقين يعدون من جواهر اللعبة لا سيما خالد تكه جي وحسن شعيتو وادمون شحادة.
وابت الصعوبات التخلي عن المنتخب اللبناني حتى لحظة سفره ولا تزال. اذ لم يصدر اذن السفر الخاص بلاعبي الجيش اللبناني محمد قبيسي ومحمد عثمان ،الا أن اتصالات الاتحاد بقيادة الجيش سرعت الأمر، وتأخر كذلك صدور تأشيرة دخول أحمد خير الدين الى الأراضي الإماراتية فغادرت البعثة من دونه ثم التحق بها في يوم الخميس 20 أيار الحالي حيث كانت أول حصة تدريبية بصفوف مكتملة. الا أن هذا التدريب لم يجر على ملعب المباراة بل على ملعب رديف نتيجة خطأ في الحجوزات من قبل المنظمين.
أجواء مثالية
هذه الصعوبات والتحديات المستمرة حتى كتابة هذه السطور، لا تغير شيئا في حماس القيمين على المنتخب اللبناني واللاعبين لا بل تزيدهم إصرارا للقتال من أجل الأهداف التي سافروا من أجلها. ومنذ لحظة الوصول الى “خورفكان” يبدو جناح اللبنانيين في فندق “أوشيانك” حيث مقر إقامة البعثة اشبه بخلية نحل.
واذا كان البديهي الا ينام الكادر التدريبي من فرط التفكير بالموقعة المنتظرة وتفاصيلها الفنية وبالخطط والتكتيك، فإن عملاً جباراً لا يقل شأناً يبذله الفريق الطبي ومعه مدرب اللياقة البدنية في اطار تفادي الإصابات وتحصين اللاعبين وصولاً لأفضل جاهزية بدنية قبل المباراة.
وعلى قاعدة “وداوها بالتي كانت هي الداء” فإن المدرب يداوي الإرهاق والاصابات بتكثيف التمارين صباحاً ومساء الى درجة أن اللاعبين ينامون باكراً جداً من التعب وتغيب سهرات الورق و”البلاي ستايشن” التي تسود معسكرات الرياضيين بسبب التركيز على المهمة وضرورة الراحة. ويقول قائد المنتخب قاسم قوصان لـ”الحوار نيوز” إن اللاعبين اليوم يدركون اننا أمام مرحلة مفصلية من عمر هذه اللعبة ومسؤولية أمام الأجيال الصاعدة التي ستكمل المسيرة، لأن الوصول الى كأس العالم سينعكس نهضة واسعة في اللعبة التي لطالما عانت من قلة الاهتمام”.
ويذكر اللاعبون جيداً رسالة رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم المهندس هاشم حيدر الذي زارهم قبل أسبوعين في معسكر بيروت، عندما دعاهم لجعل العيد عيدين يوم الخامس والعشرين من أيار ويقصد التأهل الى المونديال في ذكرى عيد المقاومة والتحرير.
وتلقى البعثة اللبنانية اهتماماً بالغا من المنظمين المحليين لا سيما إدارة نادي “خورفكان” والاتحاد الاماراتي حيث قال الشيخ سالم النقبي رئيس النادي المضيف للتصفيات إن كل إمكانات ناديه موضوعة في خدمة المنتخب اللبناني لانجاز مهمة التأهل ويكون بالتالي خير ممثل للعرب في العرس العالمي الذي تستضيفه ليتوانيا هذا الصيف.
وكان ملحق التصفيات قد انطلق بخسارة مؤلمة للمنتخب العراقي أمام نظيره التايلاندي 2-7 وهو سقوط قضى منطقياً على حظوظ اسود الرافدين بالتأهل خصوصاً أنهم يخوضون مباراة الإياب المحتسبة على ارض خصمهم يوم 25 أيار الحالي.