د.عماد عكوش يقترح مسوّدة “قانون بديل أكثر عدالة لمعالجة الفجوة المالية”

بقلم د. عماد عكوش – خاص الحوارنيوز
المقدمة
نظرًا للأزمة المالية العميقة التي أدّت إلى انهيار الثقة بالنظام المصرفي والمالي، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتآكل الودائع، واتساع الفجوة بين الالتزامات المالية للدولة والقطاع المصرفي من جهة، والموارد المتاحة من جهة أخرى؛ ونظرًا لضرورة توزيع الخسائر بشكل عادل ومنصف، يحفظ الحقوق الأساسية للمودعين، ويمنع تحميل الفئات الضعيفة أعباءً غير متناسبة ؛ يُقترح هذا القانون كبديل أكثر عدالة لمعالجة الفجوة المالية، قائم على مبادئ الشفافية، والمساءلة، والعدالة الاجتماعية، واستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني.
الفصل الأول: تعريف الفجوة المالية ومبادئ المعالجة
المادة 1: تعريف الفجوة المالية
تُعرَّف الفجوة المالية بأنها الفرق بين مجموع الالتزامات المالية المترتبة على الدولة، والمصرف المركزي، والمصارف التجارية (بما فيها الودائع) ، ومجموع الأصول الحقيقية والقابلة للتسييل المتاحة لتغطية هذه الالتزامات.
المادة 2: مبادئ أساسية
تعتمد معالجة الفجوة المالية على المبادئ الآتية :
1. العدالة في توزيع الخسائر وفقًا للقدرة المالية والمسؤولية عن المخاطر.
2. حماية صغار ومتوسطي المودعين باعتبار الودائع حقًا مكتسبًا وليس استثمارًا عالي المخاطر.
3. تحمّل المسؤولية من قبل الجهات التي استفادت من السياسات المالية الخاطئة.
4. الشفافية الكاملة في تحديد حجم الفجوة ، ومصادرها ، وآليات معالجتها.
5. عدم المساس بالحقوق الاجتماعية الأساسية كالتعليم ، والصحة ، والمعاشات.
الفصل الثاني: توزيع الخسائر بشكل عادل
المادة 3: تسلسل تحمّل الخسائر
تُوزّع الخسائر الناتجة عن الفجوة المالية وفق التسلسل الآتي:
1. رساميل المصارف والمساهمين، بما يشمل شطب أو تخفيض قيمة الأسهم قبل أي مساس بالودائع.
2. الأرباح المحققة سابقًا التي جرى توزيعها بشكل غير متناسب مع المخاطر.
3. الودائع الكبيرة جدًا التي تفوق سقفًا يُحدَّد قانونًا، وبنسب تصاعدية.
4. الدولة من خلال إصلاحات مالية وضريبية عادلة، وليس عبر اقتطاع مباشر من صغار المودعين.
المادة 4: حماية الودائع
1. تُحمى الودائع حتى سقف يُحدَّد وفق معايير المعيشة ومتوسط الدخل.
2. يُحظر أي اقتطاع مباشر أو غير مباشر من الودائع الصغيرة والمتوسطة.
3. تُعاد الودائع المحمية تدريجيًا وفق جدول زمني واضح ومُلزم.
الفصل الثالث: دور الدولة والإصلاحات الهيكلية
المادة 5: مسؤولية الدولة
تلتزم الدولة بالمساهمة في معالجة الفجوة المالية عبر:
1. إصلاح النظام الضريبي ليصبح تصاعديًا وعادلاً.
2. مكافحة التهرب الضريبي والجمركي بشكل فعّال.
3. إعادة هيكلة الدين العام بشفافية.
4. إدارة أفضل للأصول العامة بدل خصخصتها العشوائية.
المادة 6: الأصول العامة
1. تُنشأ هيئة مستقلة لإدارة الأصول العامة واستثمارها لصالح سد جزء من الفجوة المالية.
2. يُحظر استخدام الأصول العامة كضمانة لخسائر ناتجة عن سوء إدارة مصرفية دون مساءلة.
الفصل الرابع: الشفافية والمساءلة
المادة 7: التدقيق والمحاسبة
1. يُلزم القانون بإجراء تدقيق مالي شامل ومستقل في حسابات الدولة والمصرف المركزي والمصارف.
2. تُنشر نتائج التدقيق للرأي العام.
3. تُحال المخالفات الجسيمة إلى القضاء المختص.
المادة 8: الحق في المعرفة
يُكفل للمواطنين والمودعين الحق في الاطلاع على:
1. الحجم الحقيقي للفجوة المالية.
2. كيفية توزيع الخسائر.
3. الجداول الزمنية للتعويضات وإعادة الودائع.
الفصل الخامس : صندوق ادارة الاصول
المادة 9: إنشاء صندوق إدارة الأصول
يُنشأ بموجب هذا القانون صندوق مستقل يُسمّى “صندوق إدارة الأصول العامة”، يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالين الإداري والمالي، ويهدف إلى:
1. إدارة واستثمار جزء من الأصول العامة بكفاءة وشفافية.
2. المساهمة في سد جزء من الفجوة المالية دون المساس بالحقوق الاجتماعية الأساسية.
3. منع البيع العشوائي أو غير المنظم للأصول العامة.
المادة 10: طبيعة الصندوق ومبادئ عمله
يعمل الصندوق وفق المبادئ الآتية:
1. الحفاظ على الملكية العامة للأصول وعدم نقلها إلا بقانون خاص.
2. الاستثمار طويل الأمد بدل التسييل السريع.
3. تحقيق منفعة عامة مستدامة وليس أرباحًا قصيرة الأجل.
4. الفصل التام بين إدارة الأصول والسلطة السياسية التنفيذية.
المادة 11: تشكيل مجلس إدارة الصندوق
يدار الصندوق من قبل مجلس إدارة مستقل يتألف من:
1. سبعة إلى تسعة أعضاء كحد أقصى.
2. من ذوي الاختصاص في:
o الاقتصاد والمالية العامة
o إدارة الأصول والاستثمار
o القانون المالي والتجاري
o الحوكمة ومكافحة الفساد
شروط العضوية:
1. عدم تولي أي منصب سياسي أو حزبي تنفيذي خلال السنوات الخمس السابقة.
2. عدم وجود تضارب مصالح مباشر أو غير مباشر مع الأصول المُدارة.
3. سجل مهني نظيف وخاضع للتصريح العلني عن الذمة المالية.
المادة 12: آلية التعيين
1. يُعيَّن أعضاء مجلس الإدارة بمرسوم بناءً على:
o ترشيحات من هيئات مستقلة (ديوان المحاسبة، نقابات مهنية، هيئات رقابية،هيئات المودعين).
2. يخضع المرشحون لجلسة استماع علنية أمام لجنة برلمانية مختصة.
3. تكون الولاية محددة وغير قابلة للتجديد أكثر من مرة واحدة.
المادة 13: إدارة الصندوق التنفيذية
1. يعيّن مجلس الإدارة مديرًا تنفيذيًا عبر مسابقة شفافة.
2. يخضع المدير التنفيذي لمؤشرات أداء واضحة ومعلنة.
3. يُمنع على المدير التنفيذي الجمع بين منصبه وأي نشاط استثماري خاص ذي صلة.
المادة 14: الأصول التي يمكن أن يتضمنها الصندوق
يمكن أن يتضمن الصندوق، كليًا أو جزئيًا:
1. أملاك الدولة غير المستغلة أو ضعيفة الإنتاجية.
2. حصص الدولة في الشركات والمؤسسات العامة.
3. عائدات بعض المرافق العامة، دون المساس بطابعها الخدمي.
4. حقوق استثمار طويلة الأمد، لا بيعًا نهائيًا للأصول.
ويُحظر إدخال:
1. الأصول ذات الطابع السيادي أو الأمني.
2. الأصول المرتبطة مباشرة بحقوق المواطنين الأساسية (المياه، التعليم الأساسي، الصحة العامة).
المادة 15: استخدام عائدات الصندوق
تُخصّص عائدات الصندوق حصريًا لـ:
1. تغطية جزء من الفجوة المالية وفق خطة معلنة.
2. دعم إعادة الودائع المحمية تدريجيًا.
3. تعزيز الاستقرار المالي والاجتماعي.
ويُحظر:
- استخدام العائدات لتمويل إنفاق سياسي أو زبائني.
المادة 16: الشفافية والإفصاح
يلتزم الصندوق بـ:
1. نشر تقارير فصلية وسنوية عن:
o الأصول المُدارة
o الأداء المالي
o المخاطر
2. نشر جميع العقود والاتفاقيات الكبرى للرأي العام.
3. إخضاع أعماله لمعايير المحاسبة الدولية.
المادة 17: الرقابة والمساءلة
يخضع الصندوق للرقابة التالية:
1. رقابة ديوان المحاسبة المسبقة واللاحقة.
2. تدقيق سنوي مستقل من شركة دولية.
3. رقابة برلمانية عبر لجنة مختصة.
4. حق المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الاطلاع والمساءلة.
المادة 18: المسؤولية القانونية
1. يُسأل أعضاء مجلس الإدارة والمدير التنفيذي جزائيًا ومدنيًا عن:
o الإهمال الجسيم
o إساءة استعمال السلطة
o تضارب المصالح
2. لا تسقط المسؤولية بانتهاء الولاية.
الفصل السادس: آلية تسديد الودائع وجدولها الزمني
المادة 19: المبادئ العامة لتسديد الودائع
يخضع تسديد الودائع للمبادئ الآتية:
1. اعتبار الودائع أموالًا خاصة مملوكة لأصحابها، وليست مساهمة في الخسائر إلا ضمن الحدود القانونية.
2. إعطاء الأولوية لصغار ومتوسطي المودعين.
3. ربط تسديد الودائع بقدرة الدولة والقطاع المالي الفعلية، وليس بوعود غير قابلة للتنفيذ.
4. اعتماد الشفافية الكاملة في الجداول الزمنية ومصادر التمويل.
المادة 20: تصنيف الودائع
لأغراض هذا القانون، تُصنّف الودائع على النحو الآتي:
1. الودائع الصغيرة: حتى 100,000 دولار أميركي أو ما يعادلها.
2. الودائع المتوسطة: من 100,001 حتى 500,000 دولار أميركي.
3. الودائع الكبيرة: من 500,001 حتى 1,000,000 دولار أميركي.
4. الودائع الكبيرة جدًا: ما يفوق 1,000,000 دولار أميركي.
ويجوز تعديل هذه السقوف بمرسوم معلّل، بناءً على تطورات المؤشرات الاقتصادية.
المادة 21: آلية تسديد الودائع الصغيرة
1. تُسدَّد الودائع الصغيرة بالكامل (100%).
2. يتم التسديد خلال مدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون.
3. يكون التسديد على دفعات نصف سنوية أو سنوية، وبعملة قابلة للاستخدام الفعلي.
4. تُموَّل هذه المدفوعات من:
o عائدات صندوق إدارة الأصول العامة
o أرباح المصارف بعد إعادة هيكلتها
o مساهمة الدولة وفق موازنة شفافة
المادة 22: آلية تسديد الودائع المتوسطة
1. تُسدَّد الودائع المتوسطة بنسبة لا تقل عن 80% من قيمتها الاسمية.
2. يتم التسديد خلال مدة تتراوح بين سبع وعشر سنوات.
3. يجوز تسديد جزء من هذه الودائع عبر:
o دفعات نقدية
o أدوات مالية مضمونة صادرة عن الصندوق
o حصص استثمارية اختيارية في صندوق إدارة الأصول
المادة 23: معالجة الودائع الكبيرة
1. تُسدَّد الودائع الكبيرة بنسبة لا تقل عن 50%.
2. يتم التسديد خلال مدة أقصاها اثنتا عشرة سنة.
3. يجوز تحويل الجزء غير المسدّد نقدًا إلى:
o سندات طويلة الأجل مرتبطة بأداء الاقتصاد
o أدوات مشاركة في أرباح الصندوق
4. يتم هذا التحويل بموجب قانون واضح ودون أي إجراء تعسفي.
المادة 24: الودائع الكبيرة جدًا
1. تخضع الودائع الكبيرة جدًا لمقاربة استثنائية تقوم على:
o تحمل جزء من الخسائر
o المشاركة في إعادة الرسملة
2. تُسدَّد هذه الودائع جزئيًا وفق قدرة الصندوق والقطاع المالي.
3. يُمنع المساس بأي جزء من هذه الودائع قبل:
o استنفاد رساميل المصارف
o محاسبة المسؤولين عن سوء الإدارة
o تحقيق أرباح فعلية من إدارة الأصول العامة
المادة 25: مصادر تمويل تسديد الودائع
تُموَّل عملية تسديد الودائع من المصادر الآتية:
1. عائدات صندوق إدارة الأصول العامة.
2. أرباح المصارف المعاد هيكلتها.
3. مساهمة الدولة عبر إصلاحات ضريبية عادلة.
4. أي موارد إضافية قانونية لا تمس الحقوق الاجتماعية.
المادة 26: الضمانات القانونية للمودعين
1. تُنشأ وحدة مستقلة داخل صندوق إدارة الأصول لمتابعة حقوق المودعين.
2. تُنشر تقارير دورية عن:
o نسب التسديد
o الالتزام بالجداول الزمنية
3. يحق للمودعين مراجعة القضاء المختص في حال الإخلال بأحكام هذا الفصل.
المادة 27: مراجعة دورية
1. تُراجع آلية تسديد الودائع كل ثلاث سنوات.
2. لا يجوز تعديل النسب أو تمديد المهل إلا بقانون، وبعد نشر تقرير مالي مفصّل يبرّر ذلك.
الفصل السابع: خاتمة
المادة 28: العدالة الاجتماعية
لا يجوز تطبيق أي إجراء يؤدي إلى:
1. زيادة معدلات الفقر بشكل مباشر.
2. المساس بالحد الأدنى من الدخل أو الخدمات الأساسية.
المادة 29: النفاذ والمراجعة
1. يعمل بهذا القانون فور إقراره.
2. تُراجع نتائجه كل سنتين للتأكد من تحقيق العدالة والاستقرار المالي.
يشكّل صندوق إدارة الأصول أداة سيادية لإدارة الأزمة المالية، شرط أن يُبنى على الاستقلالية، والشفافية، والمساءلة، لا أن يتحول إلى آلية مقنّعة لخصخصة الخسائر أو إعادة إنتاج الفساد.


