سياسةعاشوراء

د.الياس الحلبي في عاشوراء المجلس الشيعي:تعلمنا من مسيرة الإمام الحسين أن مسؤولية رفع الظلم تقع على عاتق كل واحد منا

 

الحوار نيوز – عاشوراء

برعاية نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب احيا المجلس اليوم التاسع من محرم في مقره، وكان خطيب المناسبة الدكتور الياس الحلبي مدير مركز الدراسات المسيحية الاسلامية و مدير مركز الشيخ نهيان للدراسات العربية وحوار الحضارات في جامعة البلمند،وذلك في حضور  حشد من علماء الدين والشخصيات والفعاليات السياسية والنيابية والقضائية والاجتماعية والإعلامية والمواطنين.

وبعد تلاوة اي من الذكر الحكيم للمقرىء احمد المقداد، قدم الاحتفال الدكتور غازي قانصو فقال: في رحاب التاريخ البشري، تتجلى مظاهر العظمة والبطولة والشهادة الحرة من حين لآخر، لتحفر أسماءً خالدة في ضمير الإنسانية، وتكون منارةً للقيم السامية. ومن أهم هؤلاء العظماء، يبرز اسم الإمام الحسين عليه السلام وآلُه وصحبه كنجومٍ ساطعة في سماء الكرامة الإنسانية، بتجاوزٍ لحدود الزمان والمكان لصبح الإمام الحسين رمزًا عالميًا للحق والعدالة. لقد كان نداؤه صرخةً مدويةً في وجه الطغاة،  وعنوانًا للثوار في كل زمان ومكان، يستلهمون منها معاني الصمود والعزيمة.وفي هذا السياق، يجب أن نتأمل في عالمية الحسين عليه السلام، وكيف يمكن لرسالته أن تكون جسرًا للتواصل بين الشعوب والثقافات والأمم.

 

كلمة الحلبي

وبعد ذلك القى الدكتور الحلبي كلمة قال فيها:

 اود ان ابداء بالشكر لسماحة العلامة الشيخ علي الخطيب الذي دعاني ان  اقف امام هذا الحفل المهيب، و أتأمل في سيرة الإمام الحسين وأحداث كربلاء. كلما حاولت أن أستفيض في تصور تلك الأحداث الهامة إذ بي أجد نفسي أتساءل ما الذي دفع الإمام الحسين إلى الخروج من مكة إلى كربلاء؟ ولماذا تحمل تلك الكلوم و تعالى فوق جراح مقتل أحبائه واستمات حتى الشهادة؟ لقد خرج من مكة حرصا على قدستيها في الاشهر الحرم و سعى الى الكوفة لكونها مركزا اسلاميا مهماً. و هذا إن دل على شيئ فهو انه حريص على رضى من في السماء و ليس من على الارض  و بالتالي فإن خلافه حول البيعة ما كان شأنا شخصياً و لكنه استشعر في ذلك خطراً على الاسلام و المسلمين. اقد ارادها حركةً اعتراضيةً على غلبة منطق القوة على قوة الحق. و ادرك ان القضية لست قضية حكم بقدر ماهي تتعلق بعيش قيم الاسلام الذي يعلو على كل اعتبار آخر.

إن أول ما يحضرني في هذا السياق قصة يوحنا المعمدان النبي يحي بحسب القرآن الكريم. لقد خرج من المدينة المقدسة الى ضفاف الاردن كحركة اعتراضية على مخالفة الحاكم لشرع الله الذي اتخذ زوجة اخيه و هو مازال على قيد الحياة. و راح يدعو الناس إلى طريق الله بالتوبة والتطهر بالماء لاننا كلنا خطاؤون و تعوزنا رحمة الله. ولكن الحاكم الظلم لاحقه إلى تلك البراري وحاول  اسكات صوته من خلال قطع رأسه وتقديمه على طبق من فضة لراقصة كوسيلة لإعلان أنتصار الباطل على الحق. ولكن النبي كان واثقاً ان صوت الحق لا يموت لان الله هو الحق. ان ما يجمع بين قصة النبي يحي و الامام الحسين في مساره العاشورائي هو تحديدا الايمان بالله و انه هو الحق و ان شرط البقاء على الحق هو عيش الايمان حتى الشهادة. و الجماعة المؤمنة عندما تكون امينة لله تصير بالتوبة مؤتمتة هي الاخرى على الحق.

 هنا استذكر قول السيد المسيح :” ليس هناك حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه فداءً عن أحبائه.” وأهميّة هذا الحبّ انه لا يحمل اية انانية و امتلاك ولكنه اخلاء للذات و تضحية الى النهاية.  فلا يقود الى شخص المحب بل يصير المحبوب معبرا الى حب الانسانية كلها و بالتالي الى الله. ان هذا هو فعل الإيمان، الإيمان بالله والله محبة. لقد أراد الإمام الحسين أن يجسّد هذا الحبّ المطلق بالطاعة الكاملة للّه بأن يجعل مسعاه  تعبيراً عن هذه العاطفة الخالصة والخاصة التي تجعل كل إنسان يضحي بكل ما يملك وصولا إلى التضحية بنفسة لأنّه ابتغى وجه الله.

نحن في المسيحية نحيا إيماننا بطريقة رمزية نسميها الأسرار والأسرار هي هذا الحضور الغير المنظور لله في حياتنا. وعيش الأسرار يكون بالصلاة و قراءة الإنجيل والترنيم واستعادة الاحداث التي مرت في حياة السيد المسيح. اننا اذ نستذكر تلك الاحداث نلتمس حضور السيد المسيح فيها من خلالها فينا بالروح القدس للتحول الذكرى الى حقيقية معاشة في لحظة قدسية تختصر الزمن وتستحضر الغائب ليصير حاضرا في الوجدان و قائماً القلب.

إن ما يزخر به هذا المجلس العاشورائي من التعبيرات الايمانية العميقة و القلبية الصادقة والتي تستحضر احداث عاشوراء و كانها حاصلة اليوم و الان يثبت  بأنك بالحب والإيمان تستطيع أن نستعير تلك اللحظة التاريخية لتعيشها ليس فقط رمزياً ولكن أيضاً بكل حواسك. إن الزمن يأخذ بعداً مختلفاً عندما ينصهر ببوتقة الإيمان والصلاة، يحول الغائب إلى حاضر معيوش محسوس نناجيه ويثلج قلوبنا. لأن المحبوب سكناه في القلب وتدمع العين حزناً على فراق ما يلبث ان يصير حضوراً  رمزياً في ان معاً.

ان استحضار تضحيات الامام الحسين الكبيرة هو رسالة حب ومجال تأمل وتفاعل حتى مع الغائب الذي يصبح حاضراً ولو غير مرئي لأنه هو الحاضن للجماعة التي تنادت و تعاهدت على الوفاء وعلى العهد. وهنا يحضرني قول الرسول بولس في معرض الحديث عن جهاده في سبيل نشر كلمة الله :” انّا من أجلك نمات كل النهار و قد حسبنا مثل غنمٍ للذبح.” (رو 8: 36) قيمة الحب الخالص لله والطاعة الكاملة، له تجعل الإنسان يخرج عن منطق هذا العالم فيتحوّل كل شيء بالحب إلى ما كان عليه بيد الباري أي إلى صورته الأولى التي اسطفاها الله. لقد اراد الامام الحسين بخروجه هذا ان يستعيد بهاء الاسلام لانه احب الله فوق كل شيئ.  وإذا ما نظرنا إلى هؤلاء المشاركين في هذه الذكرى الجلل، شيباً و شباباً ندرك أن الموت والظلم والظلمة سيزولون طالما هناك حب قهر الموت ليقول أن كل من مات في سبيل أحبائه هو حيٌّ عند الله أولاً والشاهد على هذا أنه حيٌّ في قلب محبيه إذ هم قائمون في طاعة الله. أنهم إذ يبكوه يجسدون تلك الحقيقة أنهم  بهذه الدموع و الادعية قد عادوا بالزمن ليقولوا أننا معك سرياً ورمزياً نعيش آلامك في تلك اللحظة التي نستحضرها اليوم لنشترك معاً في الحب وفي مرضاة وجه الله.

يعلمنا الامام الحسين اليوم ايضا ان القضية الكبيرة هي أن يشهد الإنسان للحق. لأن الحق يحررنا كما يقول السيد المسيح: “تعرفون الحق والحق يحرركم” ومعرفة الحق، هي عيشه والتأكيد عليه والشهاده و هذا ما انتم قائمون فيه اليوم. لقد إعاد الإيمان بالله تشكيل المفاهيم وأهم هذه المفاهيم هي الموت. أمام سؤال الموت الكبير تبرز الحقيقة الإيمانية لتقول أنه بالإيمان و الحب ليس الموت نهاية بل باب لحياة جيدة. فالعقل قد يسهو ولكن القلب لا ينسى. فالحب هو الطاقة الخلاقة التي تغير وجه الكون.

أمام هذه الجماعة المصلية والمستحضرة لآلام من تحب و المتفجعة لغيابه أرى بعدا انسانياً كبيراً لان في الامام الحسين طيف لكل مسحوق و متألم في الارض. دعوة الإمام الحسين تردد اليوم في وجه كل ظالم وعلى لسان كل مظلوم. فقد خرج إلى كربلاء ليكون الصوت الصارخ في برية العرب بأن طريق الحق هي في طاعة الله و منفعة الناس كل الناس العامة قبل الخاصة. لقد وعى  الحسين ان الإمامة مثال و منهاج حياة. و قد جسد في حياته قيم الاسلام اي التسليم الكامل لله في كل مناحي الحياة  وان الامام هو في الامام اي في مقدمة المصلين و العاملين و المجاهدين مهما بلغت الصعاب والتضحيات. لقد آمن بما ورد في القران الكريم بانا قد كرمنا بني ادم و قد دافع عن هذه الكرامة حتى الرمق الاخير. انه عبر في حياته عن ان الكرامة كل لا يتجزأ. فتبدا بعيش وصايا الله و من ثم احترام انسانية كل شخص و حقه في العيش الآمن و حرية قراره  و صولا الى عمارة الارض . فبالكرامة يتحقق الاستخلاف. لقد كانت قضية الامام الحسين في عمقها الانساني قضية كرامة كفلها الاسلام. و السؤال هنا اين هذه الكرامة و نحن نرى القيم الانسانية و الاخلاقية تنتهك من حولنا و ليس من مبالٍ.

إذ نستحضر هذه الذكرى العاشورائية اليوم بطريقة رمزية وحسية في آن ندرك أننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى علينا أن نكون نحن هذا الصوت الصارخ في برية الظلم وامتهان الإنسان واحتقار انسانية التي أعلاها الله وأعطاها بعداً سامياً اذ شرفها بأن تكون خليفته في الأرض. ان مسيرة الامام الحسين تعلمنا ان مسؤولية رفع الظلم تقع على كاهل كل واحد منا و ان الاعتماد هو على الله وحده الذي يقوينا في ضعفاتنا فيصير هو حولنا و قول الحق قوتنا. لا شيء يخيف الظالم اكثر من مواجهته بظلمه و تجبره و الله هو الديان العادل.

في الختام، كم من عاشوراء تعاش اليوم لطفل يذبح ظلماً. الى متي يستمر ذبح الاطفال من اجل شبق السلطة و خصوصا في الارض المقدسة. لقد امتد مسلسل سفك الدم البريئ من اطفال بيت لحم في زمن ميلاد المسيح الى اطفال غزة اليوم.  كم من ظالم يظن أن طغيانه سيدوم إلى الأبد. يقول سليمان الحكيم: “باطل الأباطيل، كل شيء باطل.” لم يصل أحد ممن يظنون بأنهم كبار لما وصل إليه النبي سليمان من جاه و سلطان و حكمة وفي المحصلة أدرك أنه لا يبقى إلى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. كل مجدٍ فان، كل سلطة خارج طاعة الله ظلم مهما تجملت. الشهادة للحق هي فعل ايمان والإيمان بالحق يصير شهادة لأن الإيمان منهاج حياة.

وفي الختام تلا السيد حسين حجازي مجلس العزاء الحسيني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى