دول بديلة في الشرق الأوسط (نبيه البرجي)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
قال لي فاليري جيسكار ـ ديستان، حين كان رئيساً للجنة الدستور في الاتحاد الأوروبي، “هكذا تبنى الدولة وهكذا يبنى المجتمع، بالتقاطع الديناميكي بين الضمير السياسي والضمير الاجتماعي”. ماذا حين نكون في دولة مات فيها الضمير السياسي والضمير الاجتماعي؟
خفية يقول الأوروبيون ان “اسرائيل” أظهرت أنها دولة لم تعد صالحة للبقاء، والا لما دعا برنار ـ هنري ليفي بنيامين نتنياهو الى احراق الشرق الأوسط ما دام هو يحترق. علناً يقول الأوروبيون ان لبنان أظهر أنه لم يعد دولة صالحة للبقاء. إذا زالت هذه الدولة لا يتغيّر شيء في المنطقة. لا مشكلة لدى الطوائف، كل واحدة تنتقل بالبواخر، أو على ظهور النوق الى الدولة التي تعمل على الأرض لحسابها.
أشد هولاً من السقوط السياسي والسقوط الاقتصادي والمالي، سقوط الحياة في لبنان. محمود درويش قال “في هذه الأرض ما يستحق الحياة”. أي شيء على أرضنا يستحق الحياة؟ تابعوا ذلك النوع من ساستنا الذين يظهرون تباعاً على الشاشات، عراة على شاكلة الكثيرات من مغنيات هذا الزمان. حقاً، هل بلغت التفاهة بنا هذا الحد …؟
هؤلاء الذين هاجسهم تفريغ رؤوسنا من كل ما يمت بصلة الى الكائن البشري، وقد قضوا على كل ما تبقى لدينا من أشياء الحياة. السريلانكيون والبنغال، الذين دأبنا على النظر اليهم بأنوف تلامس المريخ، ثاروا يداً واحدة لاجتثاث التوتاليتارية السياسية في بلادهم، وحيث التسويق الاحتفالي لايديولوجيا الفساد. في بلادنا ما هو أكثر سوءاً وأكثر وحشية التوتاليتارية الطائفية، التي تشرّع كل أنواع الفساد وكل أنواع اللصوصية وكل أنواع الزبائنية والتبعية.
هنا ثقافة تورا بورا وراء تلك المظاهر الهشة، التي تحاول عبثاً حجب ثقافة الاجترار وحتى ثقافة العبودية لمن يمتطون ظهورنا، فيما ظهورهم مشرّعة لكل آلهة القرن. تريدون الدليل، انظروا الى لوحات العار التي تعلّق على حائط نهر الكلب، كدليل على أمجادنا الغابرة.
منذ القرن التاسع عشر وحتى قبل ذلك بكثير، ونحن ننثر الورود ان على أحصنة أو على دبابات، الغزاة الذين كانوا يستولون على رؤوسنا قبل أن يستولوا على منازلنا. انها الغرنيكا اللبنانية أمام أعتى أشكال الهمجيات في التاريخ. قد ننقسم حول كل شيء، حتى الله قطّعناه بالسكين لنوزعه كحصص متساوية بين الطوائف. ولكن كيف لنا أن ننقسم أمام أولئك الذين تقوم دولتهم على القتل والتنكيل والاقتلاع، لأن كتابهم المقدس يقول هذا. الآخرون حيوانات بشرية ووجدت لخدمتهم.
قد نكون ضد الحرب عبر الخط الأزرق، وضد عبثية هذه الحرب التي لا تجلب سوى الخراب، ما دامت في حدود قواعد الاشتباك. لكننا اللبنانيون الذي ترعرعرنا على أننا بلد الاشعاع، هل الاشعاع ينحصر في قصائد سعيد عقل أو في أداء فرقة كركلا، ولا يعني الكثافة الانسانية في داخلنا التي تتفاعل مع كل ما له علاقة بالإنسان، سواء كان انسان فريديريك نيتشه (الانسان السامي) أم انسان تيار دو شاردان الذي تبكيه حتى الورود الحزينة؟
مع تفاقم الأزمة اللبنانية، وصفت “اللوموند” الفرنسية الساسة اللبنانيين بـ “طواحين الهواء”. فاتتها المسرحية الرحبانية “دواليب الهوا”. ثمة من يريد أن يكون لبنان من دون سقف ومن دون جدران، باعتبار أن الديبلوماسية هي التي تحمي لبنان من أولئك البرابرة، الذين بداً جلياً ما الغاية من قتل خليل المقدح، وهو الذي ينتمي الى حركة “فتح” التي تركت القضية بين يدي محمود عباس، بتلك السياسات الهلامية والمترهلة.
الغاية اثارة الفوضى على الساحة اللبنانية. هل المطلوب أن ينزل مقاتلو الحركة بأسلحتهم الى شوارع صيدا للثأر لقتيلهم، وقد خبرنا مثل هذه المسرحيات من قبل، وحفظنا الكثير الكثير منها.
تلك القامات الطائفية عاودت الترويج أيضاً عبر الشاشات، وبصورة كاريكاتورية فعلاً، للاستراتيجية الدفاعية، كما لو أن المسالة تختزل ـ أيها العباقرة ـ بالحاق المقاومة ميكانيكياً بالمؤسسة العسكرية. هل من سذاجة تتعدى هذه السذاجة، حين نكون في دولة الطوائف وفي دولة المافيات، التي عاودت عملها في وضح النهار؟ أزمة الكهرباء بخلفياتها المشبوهة مثالاً.
لا تبحثوا عن صيغة بديلة، كما ترتفع الدعوات الآن، ابحثوا عن الدولة البديلة. صديقنا جيل كيبل كان قد دعا لإنقاذ الشرق الأوسط من البقاء على خط الزلازل، الى قيام دول بديلة، والا فان التاريخ سيبقى يتقيأ الايديولوجيات المجنونة بقيادات مجنونة. أي نهاية في هذه الحال؟