ترجماتحروبسياسة

كفرشوبا 1975-2023: ملحمةُ شعبين وتلاحم قضيَّتين

 

الحوار نيوز – ترجمة د. يونس* زلزلي

(هذه المقالة أعدها تريستان إليون لوني،وهو باحث فرنسيّ في التَّاريخ، كأطروحة دكتوراه عن حركة أمل في مدرسة الدِّراسات العليا في العلوم الاجتماعيَّة في باريس-EHESS.)

 

“…إذ ما يكنِ المدنيُّون الأبرياء عربًا، يضغطِ الإصبعُ أسرعَ على الزِّناد “. (مسؤول في الاستخبارات الإسرائيليَّة)

على الرُّغم من صعوبة تقديم تحليل أكاديميّ وتاريخيّ للحرب المحتدمة منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، إلَّا أنَّ التَّوتُّرات والاشتباكات المتفاقمة على حدود لبنان الجنوبيَّة، وفي كفر شوبا خصوصًا، تستحقّ أن توضع في سياقها التَّاريخيّ، الَّذي لم يبدأ في السَّابع من تشرين الأول 2023. وغالبًا ما يُنَحَّى “الصِّراع الإسرائيليّ العربيّ المُزْمِن” ، الَّذي يؤدِّي فيه لبنان دورًا طليعيًّا منذ العام 1968، جانباً. دعونا نلاحظ أوَّلًا، أنَّ جزءًا  كبيرًا من قرى جنوب لبنان التي اشتعلت فيها جبهة جديدة منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول 2023، هي نفسها التي كانت، قبل خمسين عامًا تقريبًا، ميدانًا لظهور مقاومة لبنانيَّة – فلسطينية ورمزًا لتضامنهما ونضالهما المشترك.

في العام 1975، وبعد قصفٍ إسرائيليّ وغارات عنيفة على كفرشوبا، اندلعت اشتباكات ضارية استمرَّت أيَّامًا عديدة إلى نهاية شهر آذار بين الجيش الإسرائيليّ ومجموعة فصائل فلسطينيَّة يساندها عشرات المتطوِّعين اللبنانيِّين من انتماءات طائفيَّةٍ مختلفة .

لعلَّ الإلمام بهذا النِّضال اللبنانيّ-الفلسطينيّ المشترك الَّذي خِيضَ في هذه البقعة منذ العام 1975، بما فيه من تقاطعات ومُشْتَرَكَات، لا يكفي وحده للإحاطة بمجمل الإشكاليَّات الَّتي تطرحها الحرب المندلعة منذ 7 تشرين الأول 2023، لكنَّه يضيء على محطَّات مفصليَّة في هذا السِّياق. في الواقع، إنّ انخراط بعض عناصر حزب الله وقادته ضدَّ إسرائيل يسبق تأسيس الحزب في العام 1982، ويعود إلى العام 1975، بل إلى العام 1973، عندما انضوى بعض هؤلاء في صفوف الأحزاب العلمانيَّة اليساريَّة في الحركة الوطنيّة والفصائل الفلسطينيّة أو التحقوا مع الإمام موسى الصَّدر ومصطفى شمران، بحركة أمل الشِّيعيَّة.

إنَّ استحضار مواجهات كفر شوبا التي وقعت بين كانون الثَّاني وآذار 1975، يحدونا إلى عقد الصِّلة  بين المعارك الدَّائرة رحاها حاليًّا وتلك المواجهات التي شهدتها هذه القرى نفسها قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب اللبنانيَّة في العام 1975. إنَّ التَّعبئة الَّتي بدأها موسى الصَّدر (القائد ذو المقام الرُّوحيّ والزَّمنيّ الأرفع لدى االشِّيعة اللبنانيِّين) والمتطوِّعون اللبنانيُّون في الكتيبة الطُّلَّابيَّة لمساندة جيش التَّحرير الفلسطينيّ المتمركز في كفر شوبا في العام 1975، تضع الصِّراع الحاليّ في سياقه التَّاريخيّ؛ فنفهم جَلِيًّا أصداء عمليَّة “طوفان الأقصى” في لبنان.

ازدراء السُّكَّان المدنيِّين والعقاب الجماعيّ ثابتةٌ إسرائيليَّة..

“سنقوِّض الحياة المدنيَّة في لبنان، إذا واصلَ هذا البلد سياساته الدَّاعمة للمنظَّمات الفلسطينيَّة”.(شيمون بيريز، وزير الحرب الإسرائيليّ من العام 1974 إلى العام 1977) بعد الهجوم الإسرائيليّ على بلدة كفر شوبا في كانون الثَّاني 1975″ .

وفقًا لتعبير شيمون بيريز في العام 1975، فإنَّ العمليَّات الانتقاميَّة الَّتي كانت تنفِّذها إسرائيل ضدَّ السُّكَّان المدنيِّين، كانت حجر الزَّاوية في أداء أجهزتها  الأمنيَّة والعسكريَّة. إنَّ إطلالات بنيامين نتنياهو الإعلاميَّة كلَّها قبل أيَّام، بما تضمَّنته من تهديدٍ ووعيد بتدفيع “لبنان وبنيته التَّحتيَّة” فاتورة المواجهة الرَّهيبة مع حزب الله، تتقاطع مع كلام سلفه في حزب العمل قبل خمسين عامًا. تُعَبِّرُ لهجة التَّرهيب المُستَخدَمة من هذا وذاك، والفاصل الزَّمنيّ الممتدّ ثمانيةً وأربعين عامًا بين التَّصريحين، عن ثبات سياسة إسرائيل تجاه جيرانها: إنَّ الخيار الأنجع لقادة حروبها هو إلحاق خسائر فادحة بالمدنيّين لدفع الرَّأي العامّ والسُّلطات المحلِّيَّة إلى تبنِّي مواقف أكثر إذعانًا. وسواء أكان هؤلاء القادة من اليمين المتطرِّف، مثل الكثيرين من أعضاء الحكومة الإسرائيليَّة الحاليَّة، أو من حزب العمل اليساريّ، فقد دَأَبُوا جميعهم على استخدام العنف العشوائيّ الأعمى والمتعمَّد ضدَّ المدنيِّين اللبنانيِّين والفلسطينيِّين. تُعَدُّ كفر شوبا أنموذجًا ورمزًا وانطلاقة نضاليَّة للعديد من النَّاشطين اللبنانيِّين والفلسطينيِّين، تمامًا مثل حصار بيروت الرَّهيب في العام 1982. تندرج في سياسة التَّرهيب تلك، الهجمات التي شنَّتها “جبهة تحرير لبنان من الغرباء بين العامين 1978 و1983 بتدبير من ضبّاط الاستخبارات والجيش الإسرائيليّ. فقد احتجزت الجبهة أكياس الغسيل والحمير والمركبات على اختلافها لتفجيرها في المناطق المدنيَّة لترويع السُّكَّان وزرع البلبلة والذُّعر في صفوف الخصوم اللبنانيِّين والفلسطينيِّين والسُّوريِّين . ويؤكِّد هذا السِّياق عميلٌ للاستخبارات الإسرائيليَّة، فيقول: إنّ القادة السِّياسيِّين والعسكريِّين الإسرائيليِّين، ولا سيما رفائيل إيتان (رفول)، حافظوا عمدًا على حدود غير واضحة بين المدنيِّين والمقاتلين:

قال ديفيد شييك، نائب قائد الأسطول الثَّالث عشر حينذاك: إنَّ “رفول” لم يجد صعوبةً في تصنيف ضحايا إسرائيل من الفلسطينيِّين الَّذين قتلتهم في لبنان، فهم إمَّا إرهابيُّون، وإمَّا سيصبحون إرهابيِّين، وإمَّا أنجبوا إرهابيِّين. سأل أحد الضُّبَّاط (رفول): كيف كان من المفترض أن نتعرَّف إلى الإرهابيِّين؟ فأجاب إيتان: إذا لم يكن لديهم بالونات (أعياد الميلاد) فهم إرهابيُّون .

وتنحو إيليت شاكيد منحى رفائيل إيتان وديفيد شيك، ففي العام 2014، أعادت وزيرة العدل الإسرائيليَّة (بين العامين 2015  و2019)، على صفحتها على فيسبوك، نشر مقالٍ صادر في العام 2002، يصف الشَّعب الفلسطينيّ بأكمله “بالثَّعابين”، بما ينطوي عليه من ترخيص سافر لقتل المدنيِّين:”كلُّهم مقاتلون أعداء، ويجب أن تسيل دماؤهم على رؤوسهم، بمن فيهم أمَّهات الشُّهداء الَّلائي يرسلنهم إلى الجحيم بالورود والقبلات. يجب أن يلحقن أبناءهنَّ، فهذا مقتضى الإنصاف. يجب أن يختفينَ تمامًا كما المنازل الَّتي ربُّوا فيها الثَّعابين. وإلَّا، فإنَّ ثعابين صغيرة ستنشأ على هذا المنوال” .

إن إحصاء الجثث الأميركيّ، الَّذي يشجِّع على القضاء على مقاتلي الجبهة الوطنيَّة لتحرير جنوب فيتنام (الفيتكونغ)،والسُّكَّان المدنيِّين كأنَّهم خراف، وجد لسوء الطَّالع ورثته في الأجهزة العسكريَّة والأمنيَّة الإسرائيليَّة، وداعميهم في فرنسا. “هذه القضيَّة عادلة. نقطة انتهى”. عبارةٌ أطلقها إيمانويل ماكرون يوم الثُّلاثاء 24 تشرين الأوَّل 2023 وإلى جانبه بنيامين نتنياهو لتبرير “حقّ إسرائيل الدَّائم في الدِّفاع عن نفسها”. وأيُّ حقٍّ هذا الَّذي يوشِّح العائلات الفلسطينيَّة واللبنانيَّة بالسَّوَاد كلَّ يوم؟ لم يتضمَّن خطاب ماكرون عبارة “حقّ الفلسطينيِّين في الدِّفاع عن أنفسهم”، ولم ينبس الأخير ببنت شفة عن آلاف المدنيِّين الفلسطينيِّين المجهولي المصير بين النَّار والأنقاض.

إنَّ العنف العشوائيّ الَّذي تشنُّه إسرائيل اليوم ضدَّ السُّكَّان المدنيِّين في غزَّة ليس مظهرًا مؤقَّتًا للرَّغبة في الانتقام تدفع إليها الهستيريا الجماعيَّة بما يتجاوز حدود المقبول. إنَّه نتاجٌ إجراميّ وتطبيقٌ فظيع لإيديولوجية استعماريَّة انتهك نظامها السِّياسيّ والعسكريّ، عامدًا ومتفلِّتًا من العقاب، الاتِّفاقيَّات الدُّوليَّة والقانون الإنسانيّ وقانون الحرب منذ خمسين عاًما، من غزَّة إلى جنوب لبنان. إنَّ هذا الازدراء للحياة البشريَّة الَّذي بلغ حدّ وصف وزير الدِّفاع الإسرائيليّ الحاليّ يوآف غالانت سكَّان غزَّة “بالحيوانات البشرية”، ليس وليد البارحة، كما يوضح بشكل مأساويّ تاريخ جنوب لبنان من العام 1968 إلى العام 2000. من المضحك أن نسمع المسؤولين الإسرائيليِّين يتحدَّثون عن “أسلحة حماس الكيميائيَّة ” محاكاةً لاستراتيجيَّة الولايات المتَّحدة في العام 2003، عندما نعلم أنَّ الجيش الإسرائيليّ مُدَان من منظَّمات دوليَّة عديدة ، لاستخدامه الفوسفور الأبيض (وهو سلاحٌ كيميائيٌّ حارق) في غزَّة وجنوب لبنان، ليس فقط منذ 7 تشرين الأوَّل، بل لعقودٍ خلت. كما يتذكَّر هنري لورينز:

في خطاب المسؤولين الإسرائيليِّين، أصبح كلُّ لبنانيٍّ مسلم وكلُّ فلسطينيّ “إرهابيًّا”، ممَّا يبرِّر سلوك الجيش الإسرائيليّ […] ويصبح استخدام مصطلح “إرهابيّ” رخصة للقتل. لا يقيم هذا الخطاب اعتبارًا لأيّ ضرر جانبيّ للأداء الإسرائيليّ. إنَّ الرَّغبة في ضرب السُّكَّان أو البنية التَّحتيَّة المدنيَّة، لثنيهم عن مؤازرة الفلسطينيِّين وحزب الله، جَلِيَّةٌ في تصريحات مسؤولين إسرائيليِّين عديدين .

في 28 كانون الأوَّل 1968، حَمَّلَ الجيش الإسرائيليّ الدَّولة والمجتمع اللبنانِيَّيْن مسؤوليَّة عمليَّةٍ شنَّتها الجبهة الشَّعبيَّة لتحرير فلسطين في أثينا. “في ردٍّ على العمليَّة”، حتى لو كان من الصَّعب الرَّبط بين أثينا والعاصمة اللبنانيَّة، دَمَّرَت قوَّة كوماندوس إسرائيليَّة أربع عشرة طائرة مدنيَّة على مدرج مطار بيروت الدُّوليّ. لقد دخلت إسرائيل “بالنَّار والحديد” إلى السَّاحة اللبنانيَّة مُظْهِرَةً عنصرًا مركزيًّا في استراتيجيتها وأساليب تعاملها في العالم العربيّ: الأحكام والعقوبات الجماعيَّة المفروضة على السُّكَّان والبنية التَّحتيَّة المدنيَّة. غير أنَّ الهجوم الإسرائيليّ على هذا الهدف المدنيّ(المطار)، أثار استنكارًا وغضبًا دوليَّيْن شبه شامِلَيْن، فبرز موقفٌ لافت لرئيس الوزراء الفرنسيّ الأسبق ميشال دوبريه، الَّذي طالب بتطبيق القرارين 242 و 338 بشأن بالاحتلال الإسرائيليّ غير المشروع للأراضي السُّوريَّة والمصريَّة واللبنانيَّة منذ حرب 1967… بعد سبع سنوات، وفي الفترة الممتدَّة بين كانون الثَّاني وآذار 1975، حاصر الجيش الإسرائيليّ مرارًا وتكرارًا قرى “العرقوب” الحدوديَّة (جنوب شرق لبنان)، معقل منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة(فتح لاند)، بعد اعتداءاتٍ دامية استهدفت قريتي الطَّيِّبة وكفركلا. دَمَّر فيها جنود الاحتلال عشرات المنازل، واختطفوا مواطنين مدنيِّين، وأطلقوا النَّار على من تصدَّى لهم .

كفرشوبا رمز التَّلاحم بين المقاومتين الفلسطينيَّة واللبنانيَّة

” وإذا سألونا لماذا تدافعون؟ نقول: لأنَّ الحكومة لا تدافع (عن البلد). سَنُدَافِع بأسناننا وأظافرنا” .(من خطاب الإمام موسى الصَّدر في النَّادي الحسينيّ لبلدة الطَّيِّبة في 3 كانون الثَّاني 1975 بعد زيارة تعزية بعشرة شهداء قضوا بالعدوان الإسرائيليّ على البلدة ليل 31 كانون الأوَّل 1974-1 كانون الثَّاني 1975).

بعد عشرة أيَّامٍ من العدوان الإسرائيليّ على الطَّيِّبة وكفركلا، أقام الإمام موسى الصَّدر احتفالًا في 10 كانون الثَّاني 1975 في مؤسَّسة جبل عامل المهنيَّة في برج الشّماليّ-صور، بمناسبة الذِّكرى السَّنويَّة العاشرة لانطلاقة منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة(فتح). في اليوم التَّالي، أي في 11 كانون الثَّاني 1975، شنَّ الجيش الإسرائيليّ عدوانًا عسكريًّا عنيفًا على قرى العرقوب الحدوديَّة في جنوب شرق لبنان. تعرَّضت قرية كفرشوبا الاستراتيجيَّة، التي دافع عنها جيش التَّحرير الفلسطينيّ ، لوابلٍ من النِّيران والهجمات البَّرِّيَّة من الجيش الإسرائيليّ في الأسبوع الممتدّ من 11 إلى 18 كانون الثَّاني 1975 . وقد سُوِّيَت ثلاثة أرباع عِمارة كفرشوبا بالأرض بدءًا من الرَّابع عشر من كانون الثَّاني . واضطرَّ معظم السُّكَّان للنُّزوح إلى المناطق الآمنة، ووصل بعضهم إلى بيروت. أدَّى الهجوم الإسرائيليّ على العرقوب في العام 1975 إلى تحرُّكات واسعة في لبنان، منها ذهاب الإمام موسى الصدر إلى كفرشوبا المُدَمَّرة، ودعوته السُّكَّان إلى التَّدرُّب على استخدام الأسلحة، وإنشاء مقاومة لبنانية و”الالتحام بالمقاومة الفلسطينيَّة “. وفي 20 كانون الثَّاني  1975، تحدَّث عن قدر القرية ومصير سكَّانها، مقارنةً بالفلسطينيِّين الذين اقتُلِعوا من ديارهم في العام 1948:

“كنت يوم أمس في كفرشوبا، شاهدت المناظر الَّتي تُفجِع الإنسان، وتهزُّ ضمائر الإنسان، لاحظت هناك عشرات من النَّاس، بل مئات من النَّاس، يحملون أثاث بيوتهم صغارًا وكبارًا، فتذكَّرتُ العام ثمانيةً وأربعين” .

حظيت مواقف الإمام الصَّدر المتعدِّدة ومناشداته بشأن الدِّفاع الضَّروريّ عن جنوب لبنان بتأييدٍ واسع النِّطاق، لا سيما من الجبهة الوطنيَّة الطُّلَّابيَّة (FPE) والمكتب الطُّلَّابيّ لحركة فتح. في 14 شباط 1975، نشر سعود المولى، وهو طالب لبناني وعضو في الجبهة الوطنيَّة الطُّلَّابيَّة، مقالًا بعنوان “العرقوب، أرض الثَّورة والصُّمود، أَيَّدَ فيه مطالب الإمام موسى الصَّدر .

استُخْدِمَ الاسم “تَلَاحُم”، والفعلان “تَلَاحَمَ واِلْتَحَمَ”، بمدلولات “الاندماج والامتزاج والانصهار” أربع مرات في مقال سعود المولى تعبيرًا عن متانة ارتباط اللبنانيِّين بالثَّورة الفلسطينيَّة وفصائل مقاومتها .

يتذكَّر المسؤول العسكريّ السَّابق في كتيبة الجرمق (الكتيبة الطُّلَّابيَّة في حركة فتح)، معين الطَّاهر، أواصر الصِّلة التي عقدَها الإمام موسى الصَّدر: أطلق الإمام موسى الصَّدر نداءه لتأسيس “حركة المحرومين في أرضهم” [الشِّيعة اللبنانيُّون في حركة أمل، الَّتي أنشأها الصَّدر في تمُّوز 1975]، الَّتي يجب أن تلتقي مع “حركة المحرومين من أرضهم  [الفلسطينيُّون]”. استرعت الانتباه”معركة كفرشوبا”، الَّتي ذهب الصَّدر إليها ثانيةً في 21 آذار 1975 مع قادة روحيّين مسيحيين وسُنَّةٍ وشيعةٍ ودروز، برمزيَّتها اللَّافتة: إنَّها مثال على اقتران هذين النِّضالَيْن، و “تلاحمهما”، علاوة على أنَّ عددًا كبيرًا جدًّا من المُتَطَوِّعِين الَّذين قاتلوا تحت راية المقاومة الفلسطينيَّة كانوا لبنانيِّين من مناطق البلاد وطوائفها جميعها.

بعد بضعة أشهر، أعلن الإمام موسى الصَّدر في 6 تمُّوز 1975 من مقرِّ المجلس الإسلاميّ الشِّيعيّ الأعلى ولادة أفواج المقاومة اللبنانيَّة “أمل” لمقاومة إسرائيل. ومن جانبهم، أسهَمَ مناضلو الجبهة الوطنيَّة الطُّلَّابيَّة في تشكيل تنظيميّ وعسكريّ تابع لحركة فتح، الكتيبة الطُّلَّابيَّة (أو كتيبة الجرمق 1973). التحق بعض النَّاشطين اللبنانيِّين الَّذين خاضوا تجربتهم في الكتيبة الطُّلَّابيَّة بصفوف حزب الله بعد نشوئه في العام 1982 ، ممَّا أتاح لهذا الحزب تعزيز كفاءته العسكريَّة مستفيدًا من تجربة بعض عناصره المتراكمة مع الفدائيِّين الفلسطينيِّين، ومستخلصًا العِبر أيضًا من الأخطاء السِّياسيَّة والتَّنظيميَّة والأمنيَّة والعسكريَّة الَّتي ارتكبتها منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة. إنَّ التَّضامن بين المناضلين اللُّبنانيِّين والفلسطينيِّين ليس طارئًا. اجتمع البعض حول فلسطين منذ ما يقرب من خمسين عامًا . إنّ الخطاب الإعلاميّ الرَّاهن، والمراد فرضه علينا اليوم، يحول دون الإحاطة ببواعث النِّزاع الحاليّ ومترتِّباته.

* د.يونس زلزلي، باحث وأستاذ مُحَاضِر في كُلِّيَّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في الجامعة الإسلاميَّة-لبنان

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى