سياسةصحف

دمشق بين الجيش التركي والجيش “الإسرائيلي”(نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:

غريب أن النظام السوري ـ الذي لا ننفي موبقاته وكذلك غباءه ـ هو الوحيد الذي يفترض أن يتغير، كونه النظام الوحيد العائلي، التوتاليتاري، الذي تقفل فيه وتقطع فيه الرؤوس، والذي تقفل فيه الأفواه. محمد الماغوط كان يخشى أن “تصبح أفواهنا أفواه المواشي”…

كل الأنطمة العربية الأخرى أنظمة ديموقراطية بالانفتاح على الآراء، وبالعدالة الاجتماعية، وبالانتقال بشعوبها من القرون الوسطى الى القرن الحادي والعشرين على متن الطنابر. حقاً ألا يمشي الزمن (هذا الزمن المجنون) بسرعة الطنابر. تذكروا أن البغال المجنحة هي التي تجر الطنابر.

هكذا حين تسقط الديكتاتورية في سورية، يتنفس أفلاطون الصعداء في قبره، ما دام الحكام الجدد قد خرجوا للتو من المدينة الفاضلة، وقد تتلمذوا على يدي أبي نصر الفارابي، لا على يدي أبي بكر البغدادي، ولا على يدي أبي مصعب الزرقاوي، دون التوقف عند سؤال محمد أركون عن سبب تأرجحنا بين زمن الآلهة (التكنولوجيا) وزمن القردة (الايديولوجيا).

اذاً من “النظام المخلوع” الى “النظام الخليع”. من يتصور أن باستطاعة تلك الفصائل الآتية من الكهوف أو من الخنادق (وربما من القبور)، أن تستوعب “الحالة السورية” بالتضاريس الجيوسياسية والثقافية والاتنية والطائفية والقبلية؟ دخلوا الى حلب. أول ما فعلوه أنهم أحرقوا مقام أبي عبدالله الخصيبي، أحد مؤسسي الطائفة العلوية، ودخلوا الى حماه وأحرقوا شجرة الميلاد، باعتبارها تقليداً وثنياً، ولا مكان للوثنية في سورية بعد الآن، ليتهموا “فلول النظام”، وكما جرت العادة، بذلك. كل شيء يشير الى أن سوريا تتجه الى الفتنة الكبرى، والى الفوضى الكبرى، بالتداعيات الكارثية على العديد من بلدان المحيط.

نتوقف عند كمال اللبواني، المعارض الشهير الذي قضى سنوات وراء القضبان، وزار “اسرائيل” على قاعدة الأخوة بين اسحق واسماعيل. هذا الرجل الذي تبنى رؤية الباحث “الاسرائيلي” بنحاس عنبري، الذي يعتبر أن لبنان “دولة سنية” بوجود اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، وهذا هو الحل الوحيد في نظره، لدولة قابلة للانفجار، دون أن يدري أن السنّة اللبنانيين هم من أكثر الطوئف اعتزازاً بالتنوع الثقافي والديني في لبنان لأن الاسلام هكذا، وقد وصفه مكسيم رودنسون بالدين الذي “فتح أبواب الكون أمام العقل البشري”.

اللبواني الذي يعترض على الدعوة الى “المؤتمر الوطني” بتلك الطريقة العشوائية، لاحظ أن سورية باتت من دون جيش، ومن دون شرطي. حدود سائبة ومدن سائبة. سرقات يومية على مد النظر. مشايخ أميّون وضعوا في مواقع ادارية وأمنية. لا يردون على تحية “صباح الخير”، ويصرون على “السلام عليكم”، ورحمة الله طبعاً، دون أن يتنبهوا الى أنه غضب الله.

بعض أركان المعارضة، الذين كانوا يدعون الى قيام الدولة المدنية، يحذرون الآن من “جمهورية تورابورا”. معارضون آخرون يدعون الى تدخل الجيش التركي، اذ لا يمكن للفصائل، حتى بالوجود الاستخباراتي التركي، السيطرة على الوضع، وحتى على الامساك بالفصائل كافة.

 لكن أنقرة أخذت علماً بأن الجيش “الاسرائيلي” سيدخل فوراً الى دمشق، اذا قرر الرئيس رجب طيب أردوغان ارسال ولو جندي تركي اليها. هنا المأزق الكبير أمام النظام الجديد، الذي مشكلته الكبرى أنه يقوم على منطق الميليشيات لا على منطق المؤسسات.

لا يمكن في أي حال، عزل “الحالة اللبنانية” عن “الحالة السورية”، وحيث “ألأخوة في الخراب”، كما قال لنا وزير سوري سابق، على أمل ألاّ نصل الى نوع آخر من الخراب. تابعوا خط الوزير وليد جنبلاط، الذي يتقن الامساك بالخيوط السرية (والسحرية). زيارة بروتوكولية لدمشق، خالية من أي محادثات جدية، لتعقب ذلك ـ منطقياً ـ زيارة أنقرة، وحيث الباب العالي. هكذا تبلورت الصورة، لمن لا يعرف من الساسة اللبنانيين، أنقرة محل طهران في معادلة الـ “نعم” والـ “لا”. لا نتصور أن الزعيم الدرزي سأل اردوغان من يريد أن يكون رئيس الجمهورية اللبناني الجديد في المرحلة الجديدة…

كلنا في ضياع. ندرك أنه الزمن الأميركي. ومن كندا التي يريد دونالد ترامب أن تصبح الولاية الحادية والخمسين، الى بناما التي يريد الاستيلاء على قناتها، ثم الى غرينلاند التي يريد شراءها من الدانمارك، وصولاً الى أوروبا والشرق الأوسط. اقليمياً… هل هو الزمن العثماني أم الزمن “الاسرائيلي”؟

النظام في سورية تغير. متى تتغير الخريطة؟ أجهزة الاستخبارات الأوروبية تحذر من دخول سورية في فوضى أبوكاليبتية، تفضي تلقائياً الى تغيير عاصف في الخرائط، كيف؟ الاجابة لدى فريق الفيلة في الادارة الأميركية العتيدة.

كلام من واشنطن بأن “الشرق الأوسط الذي تعرفونه لن يكون كذلك”.  على مدى قرون دفنا رؤوسنا في الرمال. أين ندفن رؤوسنا الآن؟ كان يقال لنا “اما الطريق الى دمشق، وهو الطريق الى الهاوية، أو الطريق الى أورشليم، وهو الطريق الى الخلاص”.

ما نخشاه أن يكون الطريق الى دمشق بات هو ذاته طريقنا الى… أورشليم!!

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى