احتفالات ” النصر” في الكنيست.. و” الوليمة الدولية” في شرم الشيخ(سعد محيو)

كتب سعد محيو:
لم يكن ينقص ما جرى أمس ( الاثنين) في الكنيست الاسرائيلي ثم في شرم الشيخ، سوى سفح زجاجات الشمبانيا.
فمن خطابي الرئيس الأميركي ترامب في القدس وشرم الشيخ اللذين تباهى فيهما بقوة التكنولوجيا العسكرية الاميركية الهائلة، وتدمير القدرات النووية الإيرانية، وضرب نفوذ طهران في لبنان وسورية( إضافة لغزة)، الى خطاب الرئيس المصري السيسي حول ” فجر السلام ” في المنطقة واهميته في العالم، كانت فرحة الانتصار الاميركي غامرة.
الانتصار الاميركي على ماذا؟
على المحور الايراني ( ووراءه الروس والصينيون) ، لصالح محور العولمة في صيغتها الأميركية. وهو انتصار اراده ترامب مجلجلا، حين اغلق الابواب أمام موسكو وبيجينغ في مأدبة شرم الشيخ الدولية، وفتحها امام حليفتهما ايران بشرط ان تنضم الى ” قوس الازدهار” المتعولم في الشرق الاوسط.
لماذا قلنا انه ” انتصار اميركي”؟
لأن ما جرى في “صفقة ” غزة، وما سيليها حتما من تمديد الاتفاقات ” الابراهامية”( على حد تعبير ترامب، وليس الابراهيمية) الى دول اخرى عربية واسلامية، كرّس ولادة “الباكس* اميركانا” في المنطقة، ودفع “الباكس اسرائيلانا” الى الخلف، ولو الى حين.
هذا لا يعني باي حال انه ليس هناك تقاطع بين هذين المشروعين، لكنه يبقى تقاطعا وليس تطابقا، بسبب عدم قدرة واشنطن على إهمال حصة حلفائها العرب والاتراك ودول اسلامية اخرى( اندونيسيا وباكستان) في الوليمة.
وبالتالي، إقليم المشرق المتوسطي ولج لتوه الان مرحلة تاريخية جديدة، وإن كان الامر سيتطلب معارك جديدة لاستكمال إخراج او تحييد بقايا محور ايران في لبنان والعراق واليمن.
عقبات، عقبات
الآن، وبعد قول كل شيء عن احتفالات النصر هذه، نأتي الى الوقائع والعقبات المحتملة على الأرض.
أولى هذه العقبات، ستنطلق من اسرائيل ” المنتصرة” نفسها. لماذا؟ لأن الباكس اميركانا سيتطلب منها الاندماج في الشرق الاوسط، وليس ادماج الشرق الاوسط بها عبر مشروع اسرائيل الكبرى الجغرافي- الإديولوجي- الجيوسياسي. كما سيتطلب قبولها بكيان فلسطيني ما يحظى بتصفيق وتأييد الأغلبية الكاسحة من دول العالم.
كل هذه التغييرات ستكون صعبة للغاية على المجتمع ” الاسبرطي” الاسرائيلي بشطريه الديني التوراتي و القومي العلماني، ومستحيلة للغاية على اليمين المتطرف فيه.
فاسرائيل في حالة السلم والاندماج في المنطقة. تعني قيام اسرائيل الدولة- الامة الوستفالية والعادية بحدود دولية محددة ومعترف بها دوليا. وهذا امر لم تقبل به كل أطياف الحركة الصهيونية منذ العام ١٩٢٠ وحتى الان.
العقبة الثانية، وهي مشتقة من الاولى, ان اي تحرك اسرائيلي نحو إقامة دولة فلسطينية ( ولو شكلية) قد تسفر عن حرب أهلية اسرائيلية، خاصة بعد ان ابتلعت اسرائيل الاستيطانية جل اراضي الضفة الغربية منذ اتفاقات أوسلو، وزرعت فيها جيشا حقيقيا من المستوطنين قد يقترب قريبا من المليون مستوطن.
العقبة الثالثة، هي ان اتفاقات السلم الابراهامية لن تنجح في نهاية المطاف ما لم تستند الى هيكلية نظام امني إقليمي واضح المعالم، تحدد فيه بدقة شديدة أدوار ومصالح القوى الإقليمية الأساسية من تركيا ومصر الى السعودية( وربما لاحقا إيران). وهذا الامر ليس واضحا معالمه حتى الان، ما عدا احاديث عامة عن دور عسكري تركي ما، ودور امني مصري ، وبالطبع دور اقتصادي للسعودية.
العقبة الرابعة، وربما الاهم ، هي مدى قدرة الولايات المتحدة على الانغماس طويلا في حمأة هندسة هذا المشروع الاقليمي الطموح، في وقت تغرق فيه حتى الثمالة في ما قد يكون حربا أهلية من نوع ما، وفي حين هي تسعى منذ ولاية باراك اوباما الى ” التحرر” من مستنقع الشرق الاوسط للتفرغ لبحر الصين الجنوبي/ الباسيفيك.
ثم: لا يجب أن ننسى بالطبع ان الدب الروسي والتنين الصيني لن يقبلا بأي حال ان يبقيا خارج الوليمة الدولية الجديدة في الشرق الاوسط.
******
حسنا. الى اين من هنا؟
قبل سنوات، وضع الصديق الراحل جوزف سماحة كتابا بعنوان ” سلام عابر”.
هل كان جوزف ” يعود الى المستقبل “( اي حاضر اليوم) حين سطّر هذه الكلمات؟
ربما.. خاصة وان ما قد يجري الان في المنطقة قد يكون بالفعل مجرد سلام عابر، مهما سيتم فيه سفح عدد لا متناه من زجاجات الشمبانيا!.
*الباكس أميركانا تعبير لاتيني يعني “السلام الأميركي”



