“دفرسوار” مصر وطوفان الأقصى… والانفعال الميداني !(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط- الحوار نيوز
تؤكد الوقائع الميدانية في حرب تشرين عام 1973 ان الجيش المصري قد حقق كل اهدافه المرسومة قبل الهجوم خلال الايام الاولى ، لكن الانهيار الميداني السريع للجيش الاسرائيلي والانفعال والحماس عند الجنود والضباط المصريين ذوي الرتب غير العالية والنفوس المشحونة بالثأر من هزيمة 1967، دفعت القوات المقاتلة للتقدم اكثر وتجاوزت خط الحماية الجوية ،المعروف “بحائط الصواريخ” الجوية لتغطية القوات ،مما جعلها عرضه للقصف الجوي الاسرائيلي وثم ارباكها وبعدها كانت ثغرة “الدفرسوار” القاتلة والتي سلبت الانتصار المُحقق من الجيش المصري وأرهقت الجبهة السورية ومنعتها من استكمال تقدمها الميداني.
يبدو ان معركة “طوفان الأقصى” تعرّضت ، لظاهرة “الانفعال الميداني” ،مضافا اليه الاختلاط بين قوى المقاومة المنظّمة والحالة الشعبية التي استغلت فرصة انهيار السياج الفاصل واصبحت شريكا في المعركة، فأخذت بعض الاسرى او التدخل الميداني غير المنضبط ،ويبدو ايضا (بانتظار كشف الحقيقة كاملة) ان عملية طوفان الاقصى كانت محدودة الاهداف والتوقيت والجغرافيا، حيث ان هدفها الرئيس كان اسر بعض الضباط والجنود والعودة بهم الى غزة ،لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن الميدان جذب المقاومين والجمهور العام دون اهمال فرضية “الفخ الإسرائيلي” وبعد تجاوز الاهداف المرسومة والامساك بالأسرة ،توسّعت الجغرافيا داخل المستوطنات الإسرائيلية وتمدّد وقت العملية، مما اربك قيادة المقاومة وبدأت حرف غزة والتي يبدو ان مشروعها كان مخطّطا مسبقا وكل ما فعلته عملية طوفان الاقصى انها استعجلت تنفيذه فقط!
اضافه لهاتين الحادثتين وبعض الاحداث التاريخية في الحروب ومنها معركة “أحد” حيث تجاوز المسلمون الاوامر النبوية بعدم ترك جبل أحد حتى انتهاء المعركة كاملة وكانت نتيجة مخالفة الاوامر استعادة الكفّار للمبادرة والهجوم المضاد حتى كاد ان يقتل رسول الله الاكرم(ص)!
ان تجاوز الامكانيات والقدرات والتوغّل في ارض العدو حتى لو كان متاحا ،يمكن ان ينقلب بشكل سلبي وتتحول القوة الى ضعف والاختراق الى وقوع “بالفخ”، ولأن حركات المقاومة هي حركات مقاومه شعبية لا تمتلك قدرات الجيوش الكلاسيكية وليس مطلوبا ان تكون جيوشا كلاسيكية حتى لو امتلكت الأسلحة المماثلة لأسلحة الجيوش.. لكنها تقع في خطأ فادح في مسالة اجتياح اراضي العدو الا في حالة واحدة،بما يعرف بمنظومة “الإغارة” المفاجئة لضرب العدو ثم الانسحاب.. اما التوغل والبقاء في ارض العدو، فإنه مخالف لمنظومة “حرب العصابات” الا من بعض المجموعات الاستشهادية التي يُسند اليها بعض المهمات خلف خطوط العدو لإرباكه .
ان الوقوع في فخ الانفعال الميداني او الطمع بتحقيق انجازات او انتصارات أكبر مع امكانية تحصيلها واستحالة الاحتفاظ بها، يُوقع قوى المقاومة في خطيئة سوء التشخيص والتقدير في لحظات حساسة ،يمكن ان تكون قاتلة وسالبة، لكل الانجازات .
ان حركات المقاومة تبقى في موقع المُؤثر والمُنتصر، إذا بقيت داخل بحرها الجماهيري ودون مراكز وقواعد ثابتة ومعروفة ولا حتى بإشارات والبسة وسيارات معروفة ومُميزة.
ان دوره حركات المقاومة ينحصر بالدور الدفاعي لتحرير الارض المحتلة ابتداء، ثم الدفاع عنها وحمايتها بعد التحرير .
ان اي خطا في تقدير الامكانيات الذاتية او في امكانيات العدو الخاصة دون حساب لقدرات حلفائه والنظر بعين واحدة بالنسبة للحرب تقتصر على القدرات العسكرية والميدانية، فهي نظرة ناقصة وعوراء وجزئية ولابد من التجهيز الشامل الاقتصادي والاستشفائي والمعيشي، لان العدو وحلفاءه، سيستخدمون كل الوسائل للدفاع عن مشروعهم وهم يمتلكون للأسف ورقه اساسية “الغذاء والدواء” ، فاذا عجزوا عن الانتصار الميداني عسكريا ،فانهم سيلجأون لحرب التجويع والحصار الاقتصادي.
على قوى المقاومة الاستعداد لحرب طويلة لأن أميركا ، ستدافع عن مشروعها وعن ادواتها ودولها ،بكل الوسائل ولا تلتزم القوانين الدولية او الانسانية او الاخلاقية وعلينا الاستعداد “لعشرية ساخنة” من للقتال ومقاومة المشروع الأمريكي…وجهاُ…لوجه..!
الرأي قبل شجاعة ..الشجعان!