رأيصحف

دفاعاً عن الدولة ورجُل الدولة (صلاح سلام)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في صحيفة اللواء يقول:

 

يتعرض رئيس الحكومة القاضي نواف سلام لحملة سياسية وإعلامية شرسة تقودها قوى الممانعة وفي طليعتها حز.ب االله، على خلفية قرار مجلس الوزراء الأخير بتكليف الجيش اللبناني وضع خطة عملية لتسلّم سلاح الحز.ب قبل نهاية الشهر الحالي. هذا القرار، الذي يعتبر الأول من نوعه منذ عقود، يضع الدولة اللبنانية أمام استحقاق تاريخي طالما تهرّبت منه الحكومات المتعاقبة، بحجة الظروف الإقليمية أو التوازنات الداخلية.

الهجوم على رئيس الحكومة لم يكن مفاجئاً، إذ اعتادت القوى الرافضة لمنطق الدولة على شيطنة أي محاولة لإعادة الاعتبار للمؤسسات الشرعية، وتصويرها وكأنها استهداف مباشر للمقاومة أو خيانة للقضية الفلسطينية. غير أن سلام، وبهدوء رجل القانون وصلابة رجل الدولة، واجه العاصفة مؤكداً تمسُّكه بالقرار، وذهب أبعد من ذلك حين أبلغ الموفد الإيراني صراحة بأن لا مجال لبقاء السلاح خارج السلطة الشرعية، في إشارة واضحة إلى أن لبنان لم يعد قادراً على الاستمرار كدولة ذات سيادتين وجيشين وقرارين.

هذا الموقف لا يعكس فقط شجاعة فردية، بل يجسد قناعة وطنية عميقة بأن الدولة لا يمكن أن تنهض وتستعيد ثقة شعبها والمجتمع الدولي من دون بسط سلطتها على كامل أراضيها. فالسلاح غير الشرعي لم يعد مجرد «ورقة قوة» في مواجهة إسرائيل كما يُروّج، بل تحول إلى عبء ثقيل يُستخدم في الداخل لترهيب الخصوم السياسيين، ولإبقاء لبنان أسير لعبة المحاور الإقليمية. وما الأزمات المتلاحقة التي يعيشها البلد منذ سنوات إلا دليل صارخ على كلفة ازدواجية السلاح والقرار.

إن إصرار نواف سلام على المضي قدماً في هذا الملف يكتسب أهمية مضاعفة في هذا التوقيت بالذات. فمن جهة، هو يضع حداً لسياسة المساكنة القسرية مع «الدويلة» التي فرضت نفسها على حساب الدولة. ومن جهة أخرى، يرسل رسالة قوية إلى اللبنانيين الذين فقدوا الثقة بمؤسساتهم، بأن هناك فرصة لاستعادة الدولة من براثن الانهيار، شرط التمسُّك بخيار الشرعية الواحدة. كذلك، فإن هذا القرار يعزز موقع لبنان أمام المجتمع الدولي، الذي لطالما اشترط معالجة ملف السلاح غير الشرعي كمدخل أساسي لأي خطة دعم أو إنقاذ اقتصادي.

المعارضة الإنفعالية التي يواجهها رئيس الحكومة لا تعني أن مساره خاطئ، بل على العكس، هي الدليل الأوضح على أنه وضع يده على الجرح. فالممانعة لا تخشى شيئاً بقدر ما تخشى عودة الدولة إلى ممارسة دورها كاملاً، لأنها تدرك أن بقاءها واستقواءها مرتبطان بضعف المؤسسات الشرعية. ولذلك، فإن معركة نواف سلام اليوم ليست معركة شخصية، بل هي معركة كل لبناني يريد دولة طبيعية لا يختطف قرارها أحد، ولا يتلاعب بمصيرها أحد.

 إن الطريق قد يكون طويلاً وصعباً، وإن حز.ب االله قد يستخدم كل ما يملك من أوراق للعرقلة والتعطيل، من التصعيد الإعلامي إلى التلويح بالفوضى وربما أكثر. لكن الصمود أمام هذه الضغوط هو الشرط الأساسي لنجاح أي مشروع إنقاذي. وقد أثبت سلام حتى الآن أنه ليس من النوع الذي يساوم على المبادئ أو يهرب أمام العواصف.

إن الدفاع عن موقف رئيس الحكومة هو دفاع عن فكرة الدولة نفسها. فإما أن يكون لبنان وطناً لكل أبنائه تحت راية القانون، وإما أن يبقى ساحة مفتوحة لتجارب السلاح والوصايات. وبين هذين الخيارين لا يوجد حياد. وعليه، فإن الدعم الشعبي والسياسي لنواف سلام في خطوته هذه ليس مجرد تضامن مع رجل الدولة وحسب، بل هو التزام بمستقبل الوطن والدولة معاً.

لقد آن الأوان للبنانيين، كل اللبنانيين وخاصة أهل الممانعة، أن يدركوا أن لا اقتصاد ولا إصلاح ولا إعمار يمكن أن ينجح في ظل وجود سلاح خارج سيطرة الدولة. فالأمن والسيادة هما الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء آخر. وإذا كان نواف سلام قد اختار أن يواجه هذه الحقيقة بلا مواربة، فإن واجب القوى الوطنية والشعبية أن تسانده، وأن تجعل من هذه اللحظة بداية مسار استعادة الدولة، لا فرصة ضائعة جديدة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى