بقلم د.عماد عكوش
أقرّ مجلس النواب اقتراح القانون الرامي إلى دعم صناعة الأدوية المنتجة محلياً ،على ان يرفع حجم الدعم على الدواء المحلي من مليونين إلى نحو 6 ملايين دولار شهرياً ،ويتم توزيع هذه المبالغ على الصناعيين وفقا” لشروط محددة تضعها الوزارة بالتنسيق مع مصرف لبنان ، وبالتالي بقاء القرار النهائي لهذا الدعم بيد مصرف لبنان .
لكن هل سياسة الدعم نجحت في السابق لتنجح اليوم ؟ ألم تذهب مليارات الدولارات مع الريح في سياسة الدعم واعتبرت الاموال التي تم تقديمها كمغانم تم الاستيلاء عليها وبيع المواطن للسلعة بسعر السوق السوداء ؟ ألا يتم اليوم دعم بعض الادوية من قبل مصرف لبنان وهي مفقودة في السوق ولا تباع ألا في السوق السوداء ؟ ألا يتم لغاية اليوم شراء الدولارات عبر منصة صيرفة على سعر مخفض ويتم استيراد البضائع به ومن ثم بيع هذه السلع بدولار السوق السوداء للمواطن ؟
المؤسف كما قلت ان التاجر اللبناني يعتبر هذا الدعم مغنما ولا يدخل في احتساب الكلفة وبالتالي لا تاثير لهذا الدعم أبدا” على سعر السلعة ، وهذا ما يحصل اليوم حتى للأدوية المحلية ، حيث أنه رغم الدعم فقد تم رفع سعر هذه الأدوية لتتجاوز في بعض الأحيان أسعار الادوية التي لا تحمل علامة تجارية، ووصلت الى نصف سعر الادوية التي تحمل علامة تجارية بالرغم من ان أكثرية مصانع الادوية في لبنان تنتج الادوية التي لا تحمل علامة تجارية .
في السابق كنا قد شرحنا ان عملية تحفيز الصناعة الوطنية لا يجب ان يتم من خلال دفع الاموال، وهذا الاسلوب أساسا” غير معتمد في أي دولة في العالم ، فحماية الصناعة الوطنية وتحفيزها يجب ان يكون عبر تدابير وشروط أخرى ، هذه التدابير هي في الاساس تعمل على المدى الطويل ويمكن الرقابة عليها والتحكم بها وفقا” لدرجة تطورها وبيان أثرها الظاهر على الصناعة .
من أهم هذه التدابير :
أولا” الرسوم الجمركية :
من أهم التدابير التي يمكن أن تلجأ أليها معظم الدول لحماية أنتاجها المحلي سواء كان صناعيا ، زراعيا ، أو حتى خدماتيا، هو رفع الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة حتى تصبح المنتجات المحلية قادرة على المنافسة ، طبعا” دون منع الأستيراد حتى لا نقع في فخ تحكم كارتيل معين في السوق وبالتالي رفع أسعاره الى مستويات تبقى مربحة له .
ثانيا” منع الأستيراد :
تلجأ بعض الدول الى منع أستيراد بعض الأصناف المنتجة محليا” لحماية الانتاج المحلي، ولكن هذا التدبير غير صحي وفاشل ويمكن ان يؤدي الى نشوء كارتيل متحكم بالسوق، وهذا ما حصل للأسف مع بعض السلع في لبنان كالاسمنت والنحاس .
ثالثا” منح أعفاءات ضريبية :
تقوم بعض الانظمة الضريبية بتخفيض الضريبة على المصانع الى نصف الضريبة المعتمدة تشجيعا” على ممارسة النشاط الصناعي ،وهذا التدبير ناجح ومشجع خاصة ان معظم القيمة المضافة في الاساس تخضع للضرائب مباشرة أو غير مباشرة كالرواتب والاجور ، الكهرباء ، اتصالات وغيرها .
رابعا” منح أعفاءات في الرسوم :
تلجأ بعض الدول الى منح أعفاءات أو منح تخفيض على مستوى الرسوم للصناعيين، ومن هذه الرسوم رسوم البلديات ، رسوم الاملاك المبنية ، رسوم التراخيص للانشاءات ، رسوم الاقامة للعمال الصناعيين الاجانب ، رسوم المرفأ والشحن .
خامسا” منح تخفيضات لاشتراكات الضمان :
تلجأ بعض الدول الى خفض اشتراكات الضمان والتأمين على العمال والموظفين الذين يعملون في الصناعة لخفض العبء عنها ومنحها المزيد من الحوافز .
سادسا” أعفاء استيراد المواد الاولية من الرسوم الجمركية
تلجأ معظم الدول الى أعفاء المواد الاولية أو حتى المواد نصف المصنعة التي تدخل في الصناعة المحلية من الرسوم الجمركية ،وهذا الامر يحقق حافزا كبيرا للصناعة المحلية، لكن المؤسف ان الحكومة اللبنانية ستلجأ الى فرض رسم على كل المستوردات ضمن الموازنة ،وهذه الزيادة كما قلت تشمل كل المستوردات .
أعتقد ان اعتماد هذه التدابير هو أكثر فاعلية من عملية الدعم التي تستمر الحكومة ومصرف لبنان بصرفها على الصناعيين ،والتي لم تؤد لأي نتيجة لغاية اليوم سوى زيادة أرباح الصناعيين من مغانم التوزيع التي اعتمدتها الحكومات كافة ومصرف لبنان على مدى السنوات الماضية .
ان وضع أستراتيجيا طويلة المدى هو الافضل لحماية الصناعة المحلية كما الزراعة وليس اعتماد سياسة الترقيع التي يستمر لبنان في اعتمادها، وكانت من ضمن أسباب الانهيار الذي وصلنا اليه ولا زلنا فيه ، فهل سيكون هناك تعقل في التدابير ؟؟