دراسة صادمة: خمسون بالمائة من قطاع التجارة والخدمات خارج الدورة الاقتصادية
يعتبر قطاع التجارة والخدمات من القطاعات الأساسية في لبنان، إذ أنّ غالبية القوى العاملة اللبنانيّة تنتمي لهذا القطاع (أكثر من ٧٠ في المئة)، لكنّه لم يقع النظر فيه مرّة، على أوضاع العاملين، وعلى احوالهم القانونيّة، وعلى التزام المؤسّسات بتطبيق قانوني العمل والضمان الاجتماعي، ومرسوم طوارئ العمل رقم ١٣٦٨٣، ونظاميّة أو لا نظاميّة مؤسّساته.
وفي دراسة لأوضاع العاملين في القطاع التجاري والخدماتي في مدينة بيروت الكبرى (أجراها الكاتب بنفسه، منشورة على موقع(https://wordpress.com/posts/drsaidissaanthro pology تبين أن ٥٨ في المئة (من العاملين) هم من الذكور و٤٠ في المئة من الإناث و٢ في المئة من الأطفال، وأن ٧٠ في المئة منهم حاصلون على تعليم ثانوي أو جامعي، و٦٧ في المئة يسكنون مع أهلهم في مدينة بيروت والباقي في جبل لبنان؛ بينهم ٦٣ في المئة غير متزوجين.
ويتشارك عمال غير لبنانيين العمل في القطاع مع العمال اللبنانيين، بلغت نسبة السوريين منهم حوالي ٦٢ في المئة، والبنغلادشيين حوالي ١٣ في المئة، والسودانيين والمصريين حوالي ٧ في المئة لكلّ منهما، والعراقيين حوالي ٤ بالمئة، والفلسطينيين والأثيوبين حوالي ٣ في المئة لكلّ منهما، والإيرانيين حوالي واحد في المئة.
وتغلب على العاملين/ات في قطاع التجارة الأعمار الشابة، فالنسبة الغالبة عليهم هي بين سن ٢٣ و٢٧ سنة، ويتوظفون عن طريق التقدّم بطلبات التوظيف مباشرة إلى المؤسسة. كما أن فئة ليست قليلة دخلت العمل بواسطة المعارف والأصدقاء. ويتميّز العمل في القطاع بتحرّكه الدائم، إذ يعتبر العمل فيه ممرا لاستقرار وظيفيّ لاحق وليس مستقرّا، فالمعدل الوسطي للاستقرار الوظيفيّ في المؤسسات التجارية والخدماتية يتراوح بين سنة وثلاث سنوات، و٥٨ بالمئة منهم عقود عملهم مؤقتة.
ويعاني العاملون من ضعف التضامن والاندماج في ما بينهم، يبرز في هشاشة وضعف أوضاعهم بشكل عام، ونسبة الانتماء للنقابات محدودة جدًا (٧,٥ في المئة)، وتشهد المؤسّسات تمييزًا بين الذكور والإناث بشكل عام، غالبًا ما يميل لصالح الذكور، باستثناء قلّة قليلة من المؤسسات التي تميّز لصالح الإناث، لكنّه ليس تمييزًا إيجابيّا، بل تجييرًا لعمل النساء في جذب الزبائن بطريقة "الورد جاذب للنحل، ومنه نجني العسل".
والمعدل الوسطي للأجور في هذا القطاع هي بحدود ٨٣٨ ألف ليرة لبنانية ،أي ما يساوي ٥٥٩ دولارا أميركيّا، مقابل معدّل عمل وسطيّ يبلغ ٩ ساعات يوميّا دون راحة، يقابله حوالي١١ في المئة من المؤسّسات لا تمنح عمالها إجازات أسبوعية، و٣٤ في المئة لا تمنحهم إجازات سنوية، و٤٧ في المئة تحرم عمالها من بدل الإجازات، وإذا منحت المؤسسة للعامل إجازته السنوية لا تدفع له أجره عن أيام الراحة، ما يدفع عددا كبيرا منهم للتخلي عنها وتفضيلهم العمل دون إجازات، إذا سمحت لهم بإجازات مرضية، فسرعان ما تبادر إلى حسم بدلاتها من اجورهم. وتعاني النساء في هذا القطاع من الاستغلال، فـ ٢٧،٥ في المئة من المؤسسات التجارية لا تمنح النساء العاملات إجازة ولادة، وإن جاز وسمحت، فهي على عاتق المرأة العاملة مهما بلغت مدتها ولا يدفع لها أي بدل عنها، كما تبيّن انّ ٧٢ في المئة من المؤسسات التجارية تصرف عمالها عبر إنذار شفهي دون تعويضات تُذكَر.
إنّ ٥٨ في المئة من العمال لا يتقاضون بدل نقل عن كل يوم عمل، كما أنّ ٩٤ في المئة لا يتقاضون بدل منح مدرسية، و٨ في المئة من المؤسسات لا تتوفر فيها مياه شرب للعمال، و٨,٥ في المئة لا تتوفر فيها مراحيض، و٣٧ في المئة لا تتوفر فيها مراحيض خاصة للعاملات. و٦٦,٥ في المئة من المؤسسات لا تقوم بتغطية النفقات الطبية الناتجة عن حوادث العمل، و٩٥ في المئة لا تغطي بدل أيام التعطيل الناتجة عن تلك الحوادث.
وبالمجمل يغيب التسجيل في الضمان الاجتماعي في قسم لا يستهان به من المؤسسات، حوالي ٤٥ في المئة من العمال غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، و٣٩ في المئة من العمال لا يعلمون تاريخ تسجيلهم في الضمان، في حين أن ٨,٥ في المئة مسجلون خلال عشرة أيام من تاريخ دخولهم العمل، ٠,٥ في المئة سُجلوا بعد مرور شهرين من تاريخ دخولهم العمل، و٠,٥ في المئة سُجلوا بعد مرور ٣ أشهر من دخولهم العمل، ٠,٥ في المئة سُجلوا بعد مرور سنة على دخولهم العمل، و١ في المئة هم غير مسجلين في الضمان على اسم المؤسسة كونهم طلاب في الجامعة.
وأخيرا، ما يقارب ٤٩ في المئة من المؤسّسات التجاريّة والخدماتية هي غير نظاميّة، ولا تدخل أعمالها في الدّورة الاقتصادية الوطنيّة، ولا تعدّ ضمن الدخل الوطني الإجمالي، لأنّه لا سجلّ تجاريّ لها، ولا تصاريح ضريبيّة تقدّمها، ولا تستوفي وزارة الماليّة منها ضرائب على الأرباح، ولا على الأجور.