كتب حلمي موسى من غزة:
مرة أخرى، وكأن أحدا لم يشبع بعد من الخيبات جراء الفشل المتكرر في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، على قاعدة تبادل الأسرى في مرحلة أو على عدة مراحل.
وصل الوفد المخابراتي المصري حاملا مقترحات تعددت الصيغ التي تقول إنها تتضمنها ليجد أن الإسرائيليين، ولو من الناحية الشكلية، جاهزون لصفقة بعد توسيع “تفويضهم” لوفدهم المفاوض. وفيما تشيع جهات مختلفة تفاؤلا هذه المرة، يتحدث مراقبون عن أن أياما حرجة تنتظر مفاوضات التبادل وأن لا شيء مضمون. وهذا يعني أن ثمة سباقا بين التهدئة والتصعيد في ظل التهديدات باجتياح رفح، بل وإرسال مدرعات لتقترب من حدود هذه المدينة للضغط على حماس للقبول باشتراطات إسرائيلية.
وذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من نتنياهو مساء أمس أن من المتوقع أن تكون الساعات الـ 48 المقبلة حاسمة في الطريق إلى صفقة التبادل وفق تقديرات المستوى السياسي يوم الجمعة. وأشارت إلى أن المدة المخصصة للمفاوضين الإسرائيلي والمصري هي يومان، يتم في نهايتها إعداد مقترح وتقديمه إلى حماس لدراسته. وأضافت أن المستوى السياسي يسمي هذا النمط “صفقة مؤقتة”، لكنهم لا ينفون أن هناك احتمالا لإلغاء العملية في رفح من الخطة. الخطوات التي يتضمنها التفويض الممنوح للوفد الإسرائيلي: وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح معتقلين فلسطينيين ملطخة أياديهم بالدماء، والسماح لسكان غزة بالعودة إلى شمال قطاع غزة.
وكان وزير إسرائيلي كبير قد قال في وقت سابق لـ”إسرائيل اليوم” إن “هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق بوساطة مصرية”، وأن اقتراح “إلغاء العملية في رفح” مطروح الآن على الطاولة. وفي المرحلة الأولى، ووفقاً للاقتراح المصري المقدم إلى إسرائيل، سيتم إطلاق سراح 20 أسيرا إسرائيليا مقابل 22 يوماً هدنة.
في هذه الأثناء أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مساء أمس أن “زخما جديدا” بدأ في المفاوضات. وربما في إطار هذا الزخم عجل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من موعد زيارته لإسرائيل وقرر الوصول يوم الثلاثاء ليضغط أيضا من أجل صفقة التبادل ووقف النار. ويحمل بلينكن معه، على الأغلب، وعودا من السعودية التي يصل تل أبيب قادما منها مباشرة، بأن التطبيع ممكن في حال الاتفاق على خطة لحل الصراع وإنشاء دولة فلسطينية.
ومعروف أن كل الحركة في المفاوضات جرت نتيجة أمرين مختلفين يصبان ربما في بوتقة المفاوضات: أولهما بلورة مصر لمقترحات تأخذ بالحسبان متطلبات الجانبين، والثاني اقتناع القيادة الإسرائيلية بأنه لا مفر من التفاوض لإطلاق سراح أسراها.
وكان مصدر مصري قد أبلغ صحيفة “العربي الجديد”، أن “وفدا مصريا سيتوجه إلى تل أبيب لاستكمال النقاش بين قادة البلدين. الرؤية المصرية الجديدة هي نتاج كل الجولات السابقة. مصر تعيد قراءة مواقف حماس وإسرائيل. وأن مصر تسعى إلى حل وسط يعطي كل طرف حصته، وأهم شروطها عدم توفر ضمانات بعدم تفاقم الوضع في رفح، ما دفع مصر إلى محاولة تأجيل أي عمل عسكري في المدينة.
وأضاف أن “الرؤية المصرية الجديدة تتضمن عودة النازحين إلى شمال غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من جزء كبير من محور نيتساريم، ومنح حرية الحركة على الطرق الرئيسية في قطاع غزة. الرؤية المصرية تقوم على وقف إطلاق النار يتضمن تبادل الأسرى وفترات هدوء من دون تبادل أسرى”.
وكان رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل التقى الأربعاء في القاهرة رئيسي أركان الجيش الإسرائيلي والشاباك. وكشف موقع “واينت” أن كامل عرض على المسؤولين الإسرائيليين خلال اللقاء خطة مصرية جديدة للإفراج عن المختطفين وإنهاء الحرب، تتكون من ثلاثة بنود مترابطة. وبحسب الاقتراح المصري، تطالب حماس بإطلاق سراح 50 أسيراً مقابل كل جندي مخطوف، و30 أسيراً مقابل كل مدني مخطوف.
وفقًا للقسم الأول من الخطة المصرية، ستتعهد إسرائيل بوقف جميع الاستعدادات لدخول رفح. أما البند الثاني فهو إطلاق سراح جميع المختطفين الإسرائيليين على مرحلتين بفاصل زمني قدره 10 أسابيع. ومن المهم الإشارة إلى أن مصر لم تحدد عدد المختطفين الإسرائيليين، لكنها أوضحت أنه سيتم إطلاق سراح “جميع المختطفين” مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين. أما البند الثالث فهو وقف كامل لإطلاق النار لمدة عام، مع التزام إسرائيل وحماس بعدم إطلاق النار أو استخدام الأسلحة على الأرض أو في الجو. وسيتم خلال وقف إطلاق النارالإعلان عن بدء تنفيذ التحركات لإقامة الدولة الفلسطينية. وسيكون لهذا الإعلان الشركاء “الرعاة”: الولايات المتحدة ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية.
وقال مسؤول سياسي كبير مطلع على المفاوضات، إن الصفقة التي تتم مناقشتها حاليا هي إطلاق سراح 33 مختطفا، تحت فئات النساء والجنود وكبار السن والمرضى والجرحى والمعاقين عقليا. وبحسب قوله فإن مدة وقف إطلاق النار خلال الصفقة ستتحدد بحسب عدد المختطفين.
وعليه، تطالب إسرائيل بأن تكون مدة التهدئة التي ستحصل عليها حماس في المقابل، أقل من ستة أسابيع، كما ناقش الطرفان حتى الآن. وإذا كانت إسرائيل مستعدة، مقابل إطلاق سراح 40 رهينة، في بداية نيسان/أبريل لهدنة مدتها ستة أسابيع، فإن الهدنة في الاقتراح الجديد ستكون أقصر. وفي القدس، يعربون عن استعدادهم للتحلي بالمرونة أيضاً في ما يتعلق بمسألة الانسحاب من ممر نيتساريم، وهو أحد المطالب التي استجابت لها إسرائيل حتى الآن، ولكنها مستعدة لتغيير موقفها بعد رفض حماس العنيد.
ووفقا للاقتراح المصري، ستنسحب قوات الجيش الإسرائيلي بشكل كبير من ممر نيتساريم وستكون عودة سكان غزة إلى شمال قطاع غزة ممكنة مع حرية الحركة على الطرق المركزية إلى الشمال. كما يتضمن الاقتراح وقف إطلاق النار الذي سيتضمن إطلاق سراح الرهائن وإطلاق سراح السجناء. فترة هدوء دون إطلاق سراح المختطفين والأسرى.
ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن جميع عناصر الاقتراح المصري مقبولة لدى إسرائيل من حيث المبدأ، مع بعض التحفظات، لكن بشكل عام إسرائيل مستعدة لشروط لا تشمل الوقف الكامل للحرب. لذلك، في هذه المرحلة تتعامل إسرائيل مع مصر وليس مع قطر، والآن الأمر ليس مفاوضات حقيقية، لكن المناقشات حول الأفكار التي تجريها إسرائيل مع الوسيط المصري توصي بـ«أخذ كل شيء بضمانة محدودة». .
وفي إسرائيل يوضحون أن المفاوضات مع حماس لم تبدأ بعد، لذا فإن التوقعات بشأن فرص الصفقة يجب أن تنخفض. إسرائيل تشير إلى نطاق إطلاق سراح نحو 33 رهينة، وليس 29 كما نشر أمس.
وقال رئيس الصهيونية الدينية، وزير المالية بتسلئيل سموتريش، إن “الصفقة المصرية” هي استسلام إسرائيلي خطير وانتصار رهيب لحماس. إن الجناح اليساري في الحكومة الذي يدفع بها يسعى إلى وقف الحرب في منتصف الطريق، قبل أن يتحقق هدفها بتدمير حماس، والعودة إلى أيام «التسويات السياسية». والكارثة في نهايتها هي إقامة دولة فلسطينية في يهودا والسامرة وغزة، ما يعرض وجود إسرائيل للخطر، فليكن الأمر واضحًا للعالم . ليس لديك تفويض بذلك! إن خطاب الاستسلام للنازيين لا يظهر في المبادئ التوجيهية الأساسية لحكومتنا”.
وعلى خلفية زيارة الوفد الأمني المصري قال مسؤول إسرائيلي كبير “إن الرسالة الإسرائيلية هي أن هناك موعدا نهائيا واضحا لدخول رفح، وأن إسرائيل لن توافق على جولة أخرى من المحادثات العقيمة لهذا الغرض.” وأشار إلى أن إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر للمضي قدما في الصفقة. وقد أوضحت إسرائيل لمصر، وفق موقع “والا” أنه خلال محادثاتها مع وفد المخابرات المصري الذي زار البلاد أن إسرائيل مستعدة لإعطاء فرصة أخيرة للتوصل إلى صفقة الرهائن، ولكن إذا لم يحدث تقدم فسوف تذهب إلى معركة رفح.
وبعد جولة المباحثات الأولى أشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن المحادثات مع المصريين كانت جيدة. ووفقا له، أوضح المصريون أنهم يعتزمون الضغط على حماس للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن، وأوضحوا أنهم يفهمون الشعور بالإلحاح في ما يتعلق بعملية رفح.
“لقد أوضحت إسرائيل لمصر أنها جادة بشأن الاستعدادات للعملية في رفح وأنها لن تسمح لحماس بالتلكؤ. وكانت الرسالة الإسرائيلية هي أن هناك موعدا نهائيا واضحا لدخول رفح وأن إسرائيل لن توافق على أي عملية أخرى لا طائل من ورائها”. وقال المسؤول الإسرائيلي: “إذا أرادت حماس التوصل إلى اتفاق إنساني، فلن تكون إسرائيل هي العائق”.
واعلنت حماس ليلة أمس انها تسلمت المقترحات الجديدة وستقدم ردها عليها . وتدعي اسرائيل أنها ابلغت مصر أن هذه هي الفرصة الاخيرة وان دخول رفح بات وشيكا وان على حماس ان ترد بسرعة.