كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
لا يحسدن أحد المقاومة في لبنان على موقفها من الحرب الدائرة على غزة. فبين الأصوات التي تسأل بخبث عن دور حزب الله في هذه الحرب و”تقاعسه” عن نجدة غزة، والأصوات التي تتوجس من إنخراط الحزب الكامل في هذه الحرب بما يوسّع نطاقها، مع ما يعنيه ذلك من ويلات على لبنان وشعبه،ثمة فارق كبير بين هؤلاء وأولئك،هو الفارق بين المزايدات الرخيصة وبين الحرص على تجنيب لبنان هذه الكأس المرة.
للشريحة الأولى نقول:
إن المقاومة اللبنانية إنخرطت في هذه الحرب منذ اليوم الثاني للمعركة ،في الثامن من تشرين الأول ،حين قصفت مواقع إسرائيلية على حدود مزارع شبعا،وهي طوّرت هذا الإنخراط يوميا وأنزلت بالعدو خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات وعمليات التهجير للمستوطنين من المستعمرات الإسرائيلية على الحدود.وفي المقابل خسرت المقاومة حفنة من خيرة شبابها ومجاهديها تربو على العشرين شهيدا حتى الآن،من دون أن تكبد المدنيين اللبنانيين خسائر بشرية كبيرة.صحيح أن الكثير من الجنوبيين على الحدود اضطروا للنزوح إلى الداخل نتيجة هذا الواقع ،بعد سبعة عشر عاما من الأمن والاستقرار، لكن هذا المصير المزمن هو ضريبة الجيرة لفلسطين وشعبها المظلوم منذ 75 عاما ،فضلا عن أن هذا النزوح لا يُقارن بما لحق أخوتهم في غزة من قتل وتدمير ونزوح وتهجير.
لقد تعاملت قيادة المقاومة وما تزال بحكمة متناهية مع الواقع، بما يجنب لبنان وشعبه الكأس التي شربناها جميعا في حرب تموز العام 2006 ،لكنها في الوقت نفسه أمّنت لغزة ومقاومتها تحييد ثلاث فرق من الجيش الإسرائيلي كان يفترض أن تنتشر على حدود القطاع،وأبقت العدو في شمال فلسطين واقفا على رجل واحدة ،وأربكت مخططاته (حتى الآن)في الهجوم البري على القطاع.وبين هذا وذاك ثمة غرفة عمليات مشتركة بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ،وهي التي تقرر متى ينخرط الحزب أكثر فأكثر في الحرب.وفي معلوماتنا أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لم تطلب (حتى الآن) من الحزب ،بل أنها لا ترى ضرورة (حتى الآن) لتصعيد الموقف.
بناء على ما تقدم ..فليخرس المزايدون!
وللشريحة الثانية نقول:
إن التوجس الشعبي من توسيع رقعة الحرب هو حق سياسي وأخلاقي وإنساني. والمقاومة تعرف ذلك وتؤمن به ،وهي لا تستجدي الحرب والمعارك والقتل والدمار،ولطالما أعلنت ذلك على لسان قادتها ،ولكن إذا فُرضت عليها المعركة فهي لن تتوانى عن خوضها بكل ما أوتيت من قوة.
إن الحاضنة الشعبية للمقاومة التي تتألم يوميا أمام مشهد القتل والدمار الذي تمارسه الآلة الحربية الإسرائيلية في قطاع غزة،تثق جيدا بهذه المقاومة وبسيدها وقيادتها ،وتترك لها الخيار في تقدير الموقف.هذه الحاضنة التي تتسمّر يوميا أمام الشاشات وتتوجع لمشاهد الأطفال الفلسطينيين الذي يقتلون ويذبحون يوميا بالعشرات والمئات،ترى أن نصرة غزة والشعب الفلسطيني المظلوم هو من أوجب الواجبات الإنسانية والأخلاقية والدينية،ومن حقها أن تتضامن مع هذا الشعب ،تماما كما يفعل العالم أجمع،على الرغم من معرفتها المسبقة بأن هذا الأمر في لبنان قد يكون مكلفا.
في الخلاصة:
لقد قررت المقاومة أنها ليست على الحياد في هذه المعركة ،وهي تملك المعطيات التي تدفعها إلى التصرف بكثير من الحكمة ،وهو ما ليس متوفرا بين أيدي العامة، مستندة إلى خبرة طويلة في صراعها مع العدو الإسرائيلي.فليُترك لها الخيار، بعيدا عن التوجس الشعبي والمزايدات الرخيصة، والنصائح الهابطة على لبنان من كل حدب وصوب.