خمسون على حرب أكتوبر: بين البطولات و”الدفرسوار”(ماري ناصيف الدبس)
ماري ناصيف – الدبس* – الحوارنيوز
في الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر، لا بد لنا من التوقّف عند ما جرى في ذلك اليوم المفصلي من تشرين الأول من العام 1973، وما تبعه ونتج عنه منذ اتفاقية كمب دايفيد في العام 1978 وما تلاها، بدءا من اتفاقية أوسلو، المسماة “غزة وأريحا أولا”، إلى التطبيع التدريجي لعلاقات الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني…
بداية، لا بد من التنويه بأن حرب أكتوبر شكّلت، على الرغم من نتائجها النهائية سياسيا، علامة مضيئة في المواجهة مع قوى العدوان الصهيوني، إن من حيث التحضير لها والتدريب على خوضها، أم من حيث تجميع المعلومات عن تحركات العدو من خلال طرق اتصال وتنظيم كان لعنصر المفاجأة فيها دور لا يستهان به، أم كذلك من حيث البسالة والاقدام اللذين ميّزا الجنود العرب وقياداتهم العسكرية في كل من مصر وسوريا، من دون أن ننسى الدعم المقدّم من غالبية الأقطار العربية ومن الاتحاد السوفياتي على وجه الخصوص.
فعبور قناة السويس وتحطيم أسطورة “خط بارليف” شكّلا بداية تضعضع العدو الذي وجد نفسه بين فكي كماشة، بعد سيطرة القوات السورية على هضبة الجولان ووصولها إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.
… وفجأة، إذا بكل شيء يتغيّر ويتبدّل. فتتحوّل الأسلحة السوفياتية، التي كانت الأساس في تأمين الانتصار الأولي، إلى أسلحة “دفاعية” لا تصلح لاستكمال الهجوم والتقدم باتجاه تحرير كل سيناء ومن ثم الضفة الشرقية المحتلة… وفجأة يتمكّن العدو من فتح “ثغرة الدفرسوار” ومحاصرة الجيش المصري الثالث الذي استطاع أيقاف التسلل الصهيوني ومنعه من الوصول إلى مدينتي السويس والاسماعيلية، فتجمد الجبهة المصرية ويتسنى للصهاينة نقل عدد من قواتهم باتجاه جبهة الجولان للسيطرة على الأرض.
وهكذا، تحوّل الانتصار المؤكد إلى مراوحة انتهت في 25 تشرين الأول بوقف القتال وبدء المفاوضات التي انطلقت من خيمة جنود الأمم المتحدة، نصبت عند “الكيلو 101” على الطريق بين القاهرة والسويس، والتي كانت الخطوة الأولى على طريق انتقال الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، من حالة الحرب إلى السلام والتطبيع مع العدو التي تمّت في اتفاقيات كمب دايفيد والتي كان ثمنها نيل السادات بالشراكة مع مناحيم بيغن جائزة نوبل للسلام… وأي سلام !
صحيح أن اتفاقية كمب دايفيد أعادت لمصر سيطرتها على سيناء؛ غير أنها أفسحت في المجال لكي يستعيد العدو الصهيوني سيطرته على الجولان، من جهة، ولكي يشن، من جهة ثانية، حربا شعواء على لبنان والمقاومة الفلسطينية المتواجدة فيه، كانت نتيجتها، بالاضافة إلى احتلال قسم عزيز من الأرض اللبنانية، إخراج قيادات ومناضلي المقاومة الفلسطينية من لبنان وتحجيم دور منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة على الصعيد السياسي، الأمر الذي أدى بها إلى الانصياع أمام إملاءات واشنطن التي تمثّلت باتفاقية أوسلو وما نتج عنها من شرذمة ودمار على كافة الصعد، خاصة بعد التعديلات التي أدخلت على الميثاق الوطني الفلسطيني، وأهمها التراجع عن الكفاح المسلّح لتحرير الأرض…
واليوم، وبعد مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر، نجد أن الأنظمة العربية استطاعت إلى حد كبير طمس الجوانب المضيئة من حرب العام 1973، عبر التخلّي عن شعار الصراع العربي الاسرائيلي، من جهة، والتحوّل باتجاه التطبيع، سياسيا واقتصاديا، معه تحت حجج واهية، ليس أقلها ضرورة نشر “السلام” بما يفسح في المجال أمام تطور اقتصادي واجتماعي مضطرد للعالم العربي… علما أن الشعوب العربية، من اليمن إلى السودان ولبنان وسوريا، تعيش الحروب والعنف والتهجير والفقر وسوء التغذية، وأن التنازلات المتزايدة أمام العدو، خاصة بعد ما جرى في مؤتمر المنامة وما اتخذ فيه من قرارات، لم توقف تهويد الأرض، بل ازدادت وتيرة بناء المستوطنات، وازداد معها الاعتقال والقتل والتدمير، وصولا إلى وضع اليد على الثروات المتواجدة في شرق البحر المتوسط، ومنها حقول الغاز الممتدة من سواحل غزة إلى جنوب لبنان.
وحتى لا نطيل في التوصيف والتحليل، نعود إلى الأساس، إلى أن القضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية المركزية للشعوب العربية، وبدون تنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين وبناء الدولة الفلسطينية الوطنية، وعاصمتها القدس، لن ينتشر السلام، لأن وجود الكيان المغتصب والدور المرسوم له هما السبب الأول والأخير في كل الحروب والأزمات التي نعيشها.
من هنا، سيبقى شعار المقاومة العربية الشاملة، بكل أشكالها وأدواتها، أساسا للحل.
* أكاديمية- عضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني