خفايا التقارب التركي السعودي(جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي *
تزامن التقارب مع انفراج الازمة الخليجية، أي مع فك الحصار الخليجي عن قطر، أي مع عودة قطر الى التعامل مع الاشقاء في مجلس التعاون الخليجي. وبدون شك، كان لإنفراج الازمة، ولقطر، دور في انجاز التقارب. لقطر ولتركيا رؤية و سياسة مشتركة ومواقف متطابقة، تجاه ملفات المنطقة.
تركيا و السعودية و مصر جميعهم حلفاء أو اصدقاء امريكا في المنطقة، وتدرك وتعي هذه الدول بما يكّنه الرئيس بايدن تجاههم. هم شركاء في التقييم السلبي و الملاحظات غير السارة لدى الرئيس بايدن عنهم. هم يواجهون عدم رضا صديقهم الاكبر والآمر.
هذه المشتركات التي تجمعهم، والتي تخّص علاقتهم بسيّد البيت الابيض الجديد، واحدة من اسباب وخفايا التقارب التركي السعودي والتركي المصري.
سيسّرُ الرئيس بايدن كثيراً لملمة شمل اصدقاء وحلفاء امريكا في المنطقة، سينسى الرئيس بايدن همومه وملاحظاته عن ملفات حقوق الانسان وعن قتل خاشقجي وعن حرب اليمن ، عندما يجدُ اصدقاءه و حلفاءه متماسكين في ما بينهم، كالبنيان المرصوص، متجاوزين خلافاتهم ،متعاونين من اجل التطبيع والشرق الاوسط الكبير.
لا أحدَ منهم ( تركيا، السعودية، مصر ) يملك ترف اغضاب الادارة الامريكية الجديدة، و بالاخص الرئيس بايدن . جميعهم في حالة ضعف و في حاجة ماسّة لرضا و لدعم امريكا.
ابدأ بتركيا، التي تعاني من تدن شديد في قيمة عملتها الوطنية.
الليرة التركية في تدهور حاد وفي حالة شبّه انهيار ، وقد انخفضت قيمتها بنسبة ١٤ بالمئة ، بعد استبدال رئيس البنك المركزي، وحسب ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز قبل ثلاثة ايام. انخفاض قيمة العملة والتدفقات الخارجية للمستثمرين والتضخم مصادر قلق وخوف للرئيس اوردغان. لا يريد أنْ يخسر الرئيس اوردغان النجاح الوحيد الذي حققه ،خلال فترة حكمه، الا وهو
انجازاته في الجانب الاقتصادي و النقدي.
ليس فخراً للرئيس اوردغان و لا عزّاً لتركيا ان يصبح الجيش التركي جيشاً محتلاً لاراض في سوريا و في العراق، ويمارس التطهير العرقي وتتريك مدن وقرى سورية، و ان توظّف تركيا الجماعات المسلحة و الارهابية لاهداف سياسية و عسكرية في سوريا والعراق وليبيا و غيرهم من الدول.
وليس خافياً على أحد توّرط السعودية في حربها على اليمن، وهي ( و اقصد حرب اليمن ) ليست فقط معضلة عسكرية، وانما اقتصادية و سياسية ودبلوماسية. هذه الحرب أضعفت كثيراً المملكة و على كافة الصُعد وقللتْ من مكانتها وشأنها، وجعلت من اليمن بلداً مدمّرا، وفي كافة الجوانب، باستثناء جانب القدرات العسكرية والقتالية و المعنوية . هذهِ الحرب حصّنت اليمن ،مستقبلاً من ايَّ اعتداء خارجي ، وضمنت له استقلاله السياسي.
قد تكون حرب اليمن واحدة من خفايا التقارب السعودي التركي، لن تنهي السعودية بسهولة حربها ضّدَ اليمن، بالرغم من ادراكها فشل الحرب و قساوة تداعياتها على المملكة، تحتاج المملكة عون و مساعدة عسكرية من تركيا ، وخاصة في الطائرات المُسيّرة وفي المرتزقة والجماعات الارهابية و المسلحّة. أثبتت تركيا قدرتها على توظيف هذه الجماعات المسلحّة وتدريبهم ونقلهم من ساحة لاخرى، من سوريا الى ليبيا، او من سوريا الى اقليم كاراباخ، خلال الحرب بين ارمينيا واذربيجان. كان للتدخل العسكري التركي الميداني باستخدام الطائرات المُسّيرة ونقل جماعات مسلحّة من سوريا الى كاراباخ اثر كبير في حسم المعارك لصالح اذربيجان.
ليس من المُستبعد أن يكون الاعلان السعودي بانهاء الحرب هو مناورة سياسية لكسب الوقت، وبيان للعالم برغبة وبسعي المملكة لانهاء الحرب وصنع السلام ، وتحميل الحوثيين وايران مسوولية رفض السلام والحلول السياسية.
ليس من المستبعد أيضاً أن يكون الاعلان السعودي أو المبادرة السعودية، مثلما تسميها المملكة، هو اخراج سعودي امريكي اسرائيلي، لأن هذه الاطراف مشتركة في الحرب، منذ بدايتها وفي جميع مراحلها، فلا عجب أن تساهم في ايّة مناورة عسكرية أو سياسية أو دبلوماسية تتعلق بالحرب.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل