بقلم غسان بيضون*
يبدو أن مجلس الوزراء، وعلى الأخص دولة الرئيس ميقاتي، قد استفاد واتعظ من تجارب الماضي مع وزراء الطاقة المتعاقبين ومناوراتهم للالتفاف دوماً على قرارات الحكومة وتفريغها من مضمونها والمماطلة في تطبيق النصوص القانونية النافذة والامتناع عن العمل بمقتضياتها.
ويبدو هذا الحذر جلياً في طيّات ودقة صياغة قرار مجلس الوزراء الأخير حول “الخطة الوطنية للكهرباء، التي مهّد وزير الطاقة لبوادر فشلها بالإعراب عن تخوفه من التجاذبات السياسية.
وقد انعكس هذا الحذر تشدداً في الشروط التفصيلية العديدة التي ارتبطت بها موافقة مجلس الوزراء “المبدئية” على الخطة، وأهمها:
أولاً – وجوب تطبيق القانون ٤٦٢/ ٢٠٠٢، في شقّه المتعلّق بتعيين الهيئة الناظمة، وبغيره من الأحكام بمعزل عن تعديات المحتملة على القانون، في حال كان هناك ما يستدعي التعديل، كما كان يفترض منذ عشر سنوات.
ثانيا – ربط رفع التعرفة بزيادة ساعات التغذية إلى ٨ ساعات كحد أدنى. وكان من الأجدى اشتراط ألا تكون هذه الزيادة ظرفية ومؤقتة، وإنما بعد ضمان استقرارها واستمراريتها.
ثالثاً – وضع خطة لتحسين الجباية. وربما يكون هذا الشرط هو الأصعب على “وزارة الطاقة” لناحية أن تكون هذه الخطة مقنعة وقابلة للتنفيذ، لا سيما وأن هذا التحسين مرتبط بتركيب العدادات الذكية العالية التكلفة ويحتاج تنفيذها لما بين ستة أشهر وسنة. هذا من بعد إجراء المناقصات اللازمة لاختيار وضمان استيفاء هذه العدادات للشروط والتطورات التقنية التي طالتها خلال الفترة الفاصلة بين عقود مقدمي الخدمات واليوم.
رابعاً – وضع دفتر الشروط اللازم للإعلان عن مناقصة لتحسين الشبكة وزيادة الإنتاج وفقاً للمخطط التوجيهي وبأقل تكلفة، بما يعنيه ذلك من استبعاد لخيار “سلعاتا” المشؤوم الذي يحتاج على الأقل لمئتي مليون دولار لتغطية تكاليف الاستملاك اللازم، عدا عن تكلفة التجهيزات لربط الموقع بشبكة كهرباء لبنان.
خامساً – تكليف وزير الطاقة بمراجعة خطته، بحيث تتبنى بوضوح النقاط المذكورة آنفاً والتي ربطت الحكومة التزامها بالخطة بتنفيذ هذه النقاط.
وأخيراً اشتراط عرضها مجدداً على مجلس الوزراء على أمل أن ترتفع موافقته على “الخطة الوطنية للكهرباء” من مبدئية إلى رتبة “نهائية”، هذا إن التزم الوزير ومن خلفه بتوجيهات الوزير،
وفي تقديري لن يترك له أن يلتزم، ويكفي لنصدّق أن تتعرف على خفايا المصالح المخفية خلف تلزيمات الكهرباء ومنها العدادات الذكية والتزام مقدمي الخدمات بموجب تحسين الجباية وخفض الهدر والاستمداد غير الشرعي للطاقة، المتوقع أن يرتفع مع زيادة التعرفة ما لم يتم تحسين مداخيل المواطنين وتغيير رأس إدارة المؤسسة وذلك النهج الذي ما زال يحكم القطاع ولمؤسسة وأوصلهما إلى الفشل الذريع والإفلاس.
الأرجح أن تبقى الخطة “طبخة بحص” معلّقة بانتظار نضوج ظروف وإرادات وشروط مختلفة وكثيرة، يصعب للعاقل أن يتوقع تحققها. في ظل هذه الظروف المعقّدة والشروط المعلق نجاح الخطة عليها، لا سيما في مرحلتها الأولى الأهم والأصعب.
أخيراً، لا بدّ أن نسأل من أين للخطة أن تكون “وطنية” وتنفيذها معلق على إرادة عدة دول ومرجعيات خارجية، إقليمية ودولية وتعسّف محلّي. وأعتذر من المتفائلين متمنياً أن يخيب تقديري للأمور وتوقعاتي،
وما على الملدوغ مراراً من جحرهم، إلا أن يستغفر الله إن هو صدّقتهم،
فلنتذكّر تفويض مجلس الوزراء للـ “القيصر الصادق” بالتفاوض مع متعهد دير عمار – 2، منذ 21/5/2018، حيث خرج ولم يعد وبقي الملف معلّقاً طي السرّية والكتمان مع العديد غيره من التلزيمات المشبوهة التي أجريت في مكتب الوزير والغرف المظلمة والمواقع غير الشرعية.
ولننتظر عودة وزير الطاقة بخطته التي تراعي ملاحظات مجلس الوزراء وتوفير التمويل اللازم لها!
* مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه