خطة الحكومة الإصلاحية: إفتقاد للرؤية الشاملة ونقاش في الموضوع الضريبي والقطاعات الإنتاجية
محمد الجوزو – الحوارنيوز
كثيفة وغنية مجموعة الأفكار والنوايا التي أعدتها حكومة "مواجهة التحديات"، لكن بالتأكيد فإن مجموع هذه "الفرضيات" لم يرتق إلى مستوى الخطة الإصلاحية الشاملة، لأن الخطة الشاملة والتي كان ينتظرها اللبنانيون من المفترض أن تعالج أسباب ما وصلنا إليه لا نتائجه فحسب.
ما يُطرح اليوم، ليست الخطة الأولى لحكومات ما بعد اتفاق الطائف، فقد سبقتها برامج وخطط عديدة من خطة "آفاق 2000" التي وضعها مجلس الإنماء والإعمار في العام 1993 وبلغت كلفة تنفيذها آنذاك نحو 18 مليار دولار، إلى دراسة شركة "بكتل" الأميركية (93 – 94) والتي قدرت كلفة تأهيل البنى التحتية بنحو 3،5 مليار دولار أميركي إلى برامج باريس الثلاثية وخطة النهوض الاقتصادي للرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلى خطة نحاس –صادر التي وضعت في العام 1998 بناء على طلب حكومة الرئيس سليم الحص، وبرامج وخطط ودراسات "ماكينزي" ومؤتمر "سيدر" الذي وضعت بإشراف وتوجيه من حكومات الرئيس سعد الحريري.
لم نلحظ في "خطة الحكومة الإصلاحية" رؤية شاملة للإقتصاد اللبناني وبالتالي لبنيته المالية والمصرفية وللسلة الكبيرة من الإصلاحات الموعودة في الإدارة العامة أو في القوانين ذات الصلة.
لا يكفي طرح الشعارات والبناء على الإفتراض والتوقعات الخارجة عن المسار الواقعي للتطورات الاقتصادية في العالم، قبل جائحة كورونا وبعدها.
لا يكفي الحديث العام والمطلق عن تشجيع القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد اللبناني وإبداء الرغبة بتشجيع الصناعة والزراعة دون ذكر أي تفصيل واقعي يأخذ بعين الإعتبار السياسة الواجب اتباعها حيال هذه الشعارات، في ضوء المتغيرات الهائلة في اقتصادات الدول المحيطة والمنافسة في السياحة والصناعة والزراعة، وحتى في الإستثمار العقاري والمصرفي.
لقد وصفت الخطة الحكومية الأزمة الاقتصادية "غير المسبوقة" التي يشهدها لبنان توصيفا دقيقا، وقدمت سلّة تعهدات وإلتزامات ل صندوق النقد الدولي بإعتباره صندوق النجاة والملجأ الأخير وفقا للحكومة وخطتها.
دستوريا تحتاج بعض هذه الإلتزامات إلى قوانين يشرّعها المجلس النيابي، ووطنيا يحتاج بعضها الآخر إلى نقاش وحوار مع قوى الإنتاج والنقابات العمالية وسائر منظمات المجتمع الأهلي ونقابات المهن الحرة ضمنا وإلى العديد من القوى السياسية التقليدية وغير التقليدية، وعليه فإن "الخطة" تحتاج إلى إجماع وطني يوفر المناخ الشعبي لتقبل بعض الإجراءات المؤلمة رغم حديث الخطة عن صندوق مواز يعوض على العائلات الأكثر فقرا عن بعض خسائر التضخم والبطالة، وكذلك بعض موظفي القطاع العام!
نقطتان اساسيتان في سياق الحوار الوطني – الاقتصادي الذي من المفترض أن يواكب إقرار الخطة وتنفيذها يجب الاضاءة عليهما:
الأولى ما يتصل بالموضوع الضريبي والثانية يرتبط بالتوجه لدعم القطاعات المنتجة لاسيما الصناعة والزراعة والسياحة.
في الموضوع الضريبي
تحت عنوان "تدابير تعزيز الايرادات" توقعت الخطة أن تحقق إجراءت تعزيز الواردات ما يصل إلى 3.6 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي بحلول عام 2024.
وجاء في "الخطة" أنه في السنوات الأولى من تنفيذ خطة تصحيح أوضاع المالية العامة، ستركز الحكومة جهودها على التدابير الرامية إلى توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين معدل الإمتثال وتحصيل الضرائب، وعددت "الخطة" الاجراءات التالية: تحسين تحصيل الرسوم الجمركية، تحسين الإجراءات عند المعابر الشرعية، إغلاق المعابر غير الشرعية، مكافحة التهريب عبر تعزيز الرقابة من خلال نشر العسكريين، اعتماد المساحات الضوئية والبيانات الالكترونية للسلع المستوردة، تحسين مستوى تحصيل الضريبة على القيمة المضافة، زيادة الضريبة المقطوعة على الشركات القابضة وشركات الأوفشور، استحداث أدوات ضريبية بيئية جديدة لخلق حوافز جديدة ومعاقبة الملوثين، إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية الأخرى ( في قطاعات مثل العقارات والتعليم والنقل والخدمات العامة).
وأشارت "الخطة" إلى أن الحكومة ستعمل على زيادة التدقيق الضريبي وتعزيز تحصيل الديون الضريبية ومقاضاة المتخلفين عن دفع الضريبة.
أما في المرحلة الثانية ستنفذ الحكومة "إصلاحا شاملا للنظام الضريبي بهدف جعله أكثر عدالة وكفاءة وستشمل الاجراءات التالية:
– زيادة معدل الضريبة تدريجيا على الشركات (من 17 إلى 20 في المائة)
– زيادة الضريبة على دخل الفوائد على الودائع التي تزيد عن مليون دولار من 10 الى 20 في المائة وإعمال نظام الضرائب التصاعدية للودائع ما فوق 255 مليون دولار أميركي.
– زيادة ضريبة الدخل على الأجور المرتفعة (من 25 إلى 30 بالمائة)
– زيادة ضريبة الدخل على أرباح رأس المال (من 10 إلى 15 في المائة)
– زيادة الضريبة على القيمة المضافة للكماليات (من 11 إلى 15 في المائة)
– تحديد سعر الحد الأدنى لصفيحة البنزين عند 25000 ليرة لبنانية ورفع الدعم البالغ 3000 ليرة لبنانية ودراسة إمكانية الانتقال نحو مساعدة عامة أكثر استهدافا لوسائل النقل العام والأشخاص الذين هم بحاجة فعلا.
– إدخال ضريبة الانفاق الاستهلاكي بقيمة 1000 ليرة لبنانية على المازوت
– زيادة القيمة الاسمية للغرامات بعد انخفاض قيمة العملة.
إن مجموع هذه الإقتراحات يتناقض كليا مع مبدأ إعادة تنشيط الإقتصاد اللبناني الذي يشهد اليوم أسوأ حقباته، وبدلا من إقرار مجموعة حوافز مدروسة لإعادة القطاعات الإنتاجية الى دائرة العمل تبدو أن هذه السلّة من الضرائب الجديدة ستشكل الضربة القاضية للقطاعات الإنتاجية التي تقول الحكومة بأنها ستعطيها الأولوية!
فزيادة الضرائب على الشركات سيقضي على ما تبقى من شركات عاملة حتى الآن، أما الحديث عن ضريبة على دخل الفوائد فإن مثل هذا الحديث كان ممكنا في المرحلة السابقة حيث كانت الفوائد مرتفعة، أما اليوم فهي انخفضت الى الحدود الدنيا (بين 1 و 2 بالمائة) ولن تسهم في بلوغ طموحات الحكومة في هذا الإطار فضلا عن مسها بالاستثمار في التوظيف المصرفي.
لقد رفعت الحكومة بموجب الموازنات السابقة ومنها موازنة 2020 ضريبة الدخل على الأجور المرتفعة الى 25 بالمائة وهي تنوي اليوم زيادتها الى 30 وسط تضخم أكل نسبة 80 بالمائة من قيمة الرواتب!!
كنا نتوقع أن تتحدث الحكومة عن حوافز مهمة في المرحلة الأولى، لضمان عودة الحياة الاقتصادية الى طبيعتها، كإعفاءات ضريبة للشركات التي تعاود نشاطها في المدن والأرياف، والتشجيع على قيام شركات وصناعات جديدة لا يكون برمي أثقال ضريبية على كاهلها.
والغريب في خطة الحكومة حديثها عن زيادة الضريبة على شركات الأوفشور، ( لم تحدد الخطة قيمة الضريبة) وهذا يعني مباشرة التفكير الجدي لهذه الشركات بمغادرة لبنان والإنتقال الى بلدان مجاورة تقدم حوافز استقطابية هائلة مما يعني ايضا أن الآف الوظائف ستخسرها اليد العاملة اللبنانية!
إن الحاجة ماسة إلى خطة ضريبية تنصف مالية الدولة، وتشجع، في الوقت عينه على، الإستثمار في القطاعات المنتجة، فهل مثل هكذا إقتراحات تشجع على ذلك؟
في تشجيع القطاعات الإنتاجية.
تفتقد "الخطة" إلى رؤية متكاملة للكيفية التي ستعمل عليها لتشجيع الإستثمارات في القطاعات الإنتاجية لاسيما منها الصناعة والزراعة والسياحة.
تتحدث "الخطة" بالعموميات المفرطة، كسعيها لتخصيص أراض تعدو ملكيتها للدولة وللأوقاف وللبلديات لتتم زراعتها من قبل الأفراد، وتتحدث عن "تخصيص 200 مليون دولار من الحكومة كضمان نقدي من خلال المصارف المحلية لاستيراد المواد الأولية خصيصا للصناعات التي تقوم بتصدير السلع، مع تخصيص عائدات الإيرادات ذات الصلة، وبالتالي جلب عملات أجنبية إضافية إلى البلد".
وتتحدث في مكان آخر عن تخصيص 200 مليون دولار للشركات التي لا تصدر ما يكفي من السلع لتعويض القرض بأموال جديدة.. وفي مكان آخر عن تطبيق آلية الترويج للصادرات المدرجة في ميزانية 2020…
إن مثل هذه الأفكار المبعثرة والتي تحتاج إلى المزيد من الدراسة والتدقيق لا توحي بأن الحكومة على دراية كافية بما تواجهه القطاعات الإنتاجية، وهنا نعوّل كثيرا على دور وزراء الإختصاص، للعمل على تصويب ما جاء في "الخطة" واعادة تصحيحه في المراحل التنفيذية. لا يمكن الحديث عن تشجيع هذه القطاعات قبل وضوح الرؤية لهوية الإقتصاد اللبناني الجديدة والأهداف المتوخاة، وعليه ستضح حكما البرامج التنفيذية في مختلف القطاعات.
كنا نتوقع كلاما صريحا عن حوافز جدية لتشجيع قيام صناعات نوعية جديدة ودعمها في المرحلة الأولى وتخفيض الأكلاف من خلال توفير الكهرباء "بالكلفة" وتخفيض رسوم الضمان في السنوات الأولى وتأمين أراض لقيام المعامل في الأطراف مع ضمان بنى تحتية مشجعة، واتخاذ إجراءات تسهم في حماية الصناعات اللبنانية ومنع إغراقها ووقف استيراد العديد من السلع التي يمكن صناعتها في لبنان..
لا شك أن الحكومة صاغت خطتها على عجل، محكومة بالأيام المئة التي حددتها لنفسها، لكن هذا لا يعني النقاش الهادئ في المرحلة التي تلي إقرار الخطة على مستوى المجلس النيابي والأطراف المعنية.
يبقى أن القضية في خواتيمها، وأن الرأي النهائي ربما سيكون لصندوق النقد الدولي الذي قد يحدد إتجاها لتطور الإقتصاد اللبناني لا يناسب الحكومة والأطراف السياسية الحاضنة لها، فنعود إلى نقطة الصفر وربما، إلى ما دون الصفر!
*عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي
*تنشر بالتزامن مع صحيفة "الجمهورية" اللبنانية