خطاب الوزير التركي في مجلس الجامعة.. ودلالات خروج الوفد السوري (جواد الهنداوي)
بقلم السفير الدكتور جواد الهنداوي – الحوار نيوز
حصلَ ذلك في الاجتماع الوزاري ،لمجلس الجامعة العربية في دورته ال 162، في مقر الجامعة العربية ،في القاهرة ،بتاريخ 2024/9/10 ، و حضره وزراء خارجية الدول العربية ،و كذلك وزير خارجية تركيا ومنسق الشؤون الخارجية الاوروبية جوزيف بوريل .
حضور وزير خارجية تركيا للاجتماع يعبّرُ عن تفهّم و قبول عربي للمواقف والسياسة المُتبناة اخيراً من قبل تركيا تجاه ملفات المنطقة ، واهمها ملف فلسطين وغزة ، و جرائم واعتداءات إسرائيل ، والملف السوري .
زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا ، في 2024/9/5 ، وخطاب الرئيس أوردوغان في 2024/9/7 ، الذي اعلن فيه عن سعيه لتأسيس محور يضمُ مصر و سوريّة للتصدي إلى الأطماع التوسعية لإسرائيل ، مواقف تؤشّر على نوايا تُركيا نحو تصفير المشاكل مع الدول العربية ،والتعاون لمواجهة الغطرسة والاعتداءات والأطماع التوسعية الاسرائيلية تجاه دول المنطقة .
مشاركة وزير الخارجية التركية في اجتماع مجلس الجامعة العربية ، والتي تزامنت مع خطاب الرئيس اوردوغان ضّد إسرائيل، هي موقف سياسي ، و تعبّر عن تضامن الدول العربية ،مُمثّلة بجامعة الدول العربية ، ودول المنطقة، ضدَ ما تفعله إسرائيل في غزّة و في الضفة الغربية وفي محور صلاح الدين و معبر رفح وفي غور الأردن ،من جرائم واعتداءات وانتهاكات لاتفاقيات موقعّة .
الآن ،ادركت دول وشعوب المنطقة ودول و شعوب العالم ، بأنَّ مَنْ يهدّد أمن واستقرار المنطقة هي إسرائيل لا غيرها . و اكبر انجاز حققته إسرائيل للمنطقة حين تعرّت ، واكتشف البعيد والقريب، ليس عيوبها ( لا طرف يخلو من عيوب ) ، وانما سوء معدنها وطالعها .
إسرائيل ، في احتلالها لمحور صلاح الدين و تجاوزاتها في غور الأردن ، دقّت أجراس الإنذار لمصر و للأردن لتعلن ” لا أمان مع إسرائيل ” . الافعى تبقى أفعى وإنْ بدّلت جلدها ،هي هكذا إسرائيل . برهنت للعالم أنها وامريكا هما محور الشر وليس غيرهما.
تجتهدُ تركيا بتكرار التصريحات و إعلان النوايا ، وعلى لسان ،رئيسها تجاه سورية ، ولكن القيادة السوريّة تنتظر برنامج انسحاب للقوات التركية من أراضيها ،كي تُقدِم على نقل اللقاءات من مستواها العسكري والأمني إلى المستوى السياسي .
اللقاءات الامنية و الاستخباراتية مستمرة ، وعلى أعلى المستويات بين الطرفين ،وتأتي بنتائج مُرضية للطرفيّن .القيادة السياسية في سوريّة تنتظر ،كما ذكرنا ، إعلان وتبني لخطة انسحاب من أراضيها .
ما الذي يمنع القيادة التركية من إعلان وتبني خطة انسحاب وجدول زمني لتنفيذيها ؟
المانع ليس سياسياً ، و انما ميداني وعسكري . المعضلة التي تواجهها تركيا اليوم هي عديد الفصائل المسلحة الجهادية والتكفيرية المنتشرة في شمال سورية وفي ادلب ، و التي نشأت و ترعرت وكَبُرت بسبب الرعاية التركية والدعم التركي بالمال والسلاح ومنذ اكثر من عقد من الزمن . اليوم ،ليس من السهل لتركيا التخلص منهم ،بل هم يهددون الجيش التركي ، في حال قررت تركيا الانسحاب ، والانقلاب عليهم . وقد قاموا بممارسات تجاه العلم التركي والجنود الأتراك صدمت الرأي العام التركي .
للأسف ،بعض القادة يمرّون بقراءة سطحية على احداث التاريخ ،او لا يأخذون العِبرْ مما يحدث ويحصل . أوليس امريكا هي من انشأت حركة طالبان ،ثمَ حاربتها ؟
هل سيصبح الجيش الوطني والمنتشرة فصائله في شمال غرب سوريّة ،والذي أسّسته تركيا و قوّته و مكّنته طالبان تركيّا ، ويدخل في قتال مع جيشها ؟
إلا تخشى تركيا من أنْ توظّف امريكا او إسرائيل سوء العلاقة بين تركيا وبين الجيش الوطني والفصائل المسلحة الإرهابية في أدلب ، وتغريهم بالدعم لغرض التمرد على تركيا و الضغط عليها ، وربما محاربتها او انضمام مقاتلي الجيش الوطني لحزب العمال الكردي التركي المعارض ،والمصنف كمنظمة ارهابية ؟
غادر الوفد السوري ،والذي كان برئاسة وزير الخارجية فيصل المقداد ،قاعة الاجتماع،عندما ألقى وزير الخارجية التركية كلمته .
مغادرة الوفد القاعة هو تأكيد سوري بعدم التواصل سياسياً مع الجانب التركي ،في الوقت الحاضر ، وتعبير له رسالتان : الرسالة الأولى إلى تركيا و مفادها بأنَّ سوريّة لا تزال ملتزمة بموقفها ،ألا وهو أن لا تواصل ولا لقاء سياسيا بين سوريّة وتركيا طالما الفصائل المسلحة الإرهابية والجيش الوطني ،و قوات من الجيش التركي تدنّس الأراضي السورية . و الرسالة الثانية هي للدول المشاركة في الاجتماع بألا يحاولوا ويبذلوا جهداً من اجل لقاء بين الوزير السوري والوزير التركي ،مستغلين فرصة حضور الطرفيّن للاجتماع .
مغادرة الوفد السوري للقاعة بدّدَ ربما محاولة من هذا او ذاك الطرف لعقد لقاء بينهما .