د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز- خاص
لن يهمل المؤرخون والسياسيون تاريخ ٢٠٢٢/٩/٣٠، يوم القى الرئيس بوتين خطاباً فاصلاً بين ماضي علاقات وتوجهّات روسية الدولية والاستراتيجية ومستقبلهما.
توّقفَ المحلّلون الاوروبيون والاميركيون كثيراً ازاء ما وردَ في الخطاب، وكررّت قنواتهم التلفزيونية الخطاب أو مقتطفات منه مع تعليق وتحليل مُسهبْ عما جاء فيه.
وينبغي على سياسيينا وفواعل المشهد السياسي في العراق وفي المنطقة الاهتمام أكثر من الامريكيين ومن الاوروبيين بما جاء في الخطاب، لأنَّ الامر يهمهم بقدر او اكثر من اهتمام الاوروبيين والامريكيين، لأنهم ( العراق ودولنا العربية ) هم الطرف الاضعف في المعادلة الدولية، وهم المستفيدون من الرفض الروسي لماضي امريكا والغرب المهيمن والمستغِلْ لثروات الشعوب، وهم المستفيدون ايضاً من خطاب التحدي، الذي تبنّاه الرئيس الروسي، لرسم خارطة السياسة الدولية، والتي ستكون سياسة قائمة على التعددّية القطبية وعلى المحور الاسيوي ( روسيا، الصين، ايران، واخرى)، في مواجهة المحور الامريكي الغربي.
كانَ خطاباً خالياً من المجاملات، ومليئاً بالحقائق والشواهد الفاضحة لماضي ولحاضر امريكا والغرب، وكما كتبَ الصديق الدكتور عدنان منصور ، وزير خارجية لبنان الاسبق، في جريدة البناء ، بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/١ ، « تاريخ امريكا طويل، يعود لأكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن، حافل ومشبع بالتسلط، والتحريض، والسيطرة، والهيمنة، والحروب، والاحتلال، والاستغلال، والاستبداد، وتأجيج الفتن، والفوضى، والوقوف وراء الانقلابات، والاغتيالات، والاضطرابات ، وتحريك النعرات القومية والعرقية والطائفية، و اشعال الثورات بغية الإطاحة بالانظمة الوطنية المعارضة لسياسة وشنطن .” .
كان خطابهِ مصارحة للعالم بماضي وحاضر امريكا الامبريالية ، وتعبيرا عن تقييم روسيا للسياسات الامريكية .
لمْ يكْ الرئيس الروسي، الاول ما بين رؤساء العالم ، في تبني مثل هذا الخطاب تجاه امريكا والغرب، ولكن اهمية الخطاب وآثاره المستقبلّية تكمنان في ان الخطاب يُقال بلسان رئيس دولة عظمى، تُعّدْ نداً للولايات المتحدة الامريكية، ولها حق الفيتو في مجلس الامن، ومن هنا تأتي ايضاً اهمية ماوردَ في الخطاب في مستقبل العلاقات الدولية و السياسة الخارجية .
الزَمَ الرئيس بوتين شخصه وروسيا بالدفاع عن حقوق الشعوب وتطلعاتها ازاء الاستبداد والتسلط الامريكي والغربي، وان يكون معارضاً لسياسة ازدواجيّة المعايير التي تتبعها امريكا في سياساتها الخارجية ، ومعارضاً للتدخلات الامريكية الغليظة في شؤون الدول، وستكون التزامات اخلاقية ومعنوية تجاه الدول المغلوب على أمرها ، والتي ليس لها صوت او مُعين في مجلس الامن.
سيكون المستقبل محطة اختبار لارادة روسيا ، وعلى الدول والشعوب التي عانت وتعاني من ظلم سياسة ازدواجية المعايير والعقوبات غير الانسانية وغير القانونية، ومن الاحتلال والاعتداء على السيادة ان تغتنم هذه الفرصة وهذا التوجّه الروسي نحو عالم اكثر عدالة وانصافا، وأن تنسّق جهودها السياسيّة والدبلوماسية مع روسيا اليوم ، من اجل انتزاع حقوقها .
يبدوا أنَّ محاربة روسيا للارهاب في منطقتنا والعالم ، والمُسند و المدعوم من امريكا و حلفائها ، وباعترافهم وتصريحاتهم العلنيّة، كان ممارسة ميدانيّة ( دبلوماسيّة و عسكرّية ) قادت روسيّا وأهّلتها الى الوصول لهذه المصارحة و المنازلة مع امريكا .
أدركتْ روسيا – بوتين مُبكراً بأن الارهاب صناعة امريكية ، ومنذ سبعينيات القرن الماضي ، وكانت جغرافيته افغانستان ، وساهمت هذه الصناعة في تفكيك الاتحاد السوفييتي ، وأصبح بعدها ( واقصد الارهاب ) جوّالا في منطقتنا والعالم وهدفه ليس فقط العراق وسوريا ولبنان وانما ايران و روسيا.
نجحت روسيا في صّدْ المّد الارهابي في اسيا الوسطى وعلى حدودها ، ونجحت ايضاً في انقاذ ودعم حلفائها، وستتوجهّ، كما اعتقد، الى مواجهة الارهاب السياسي والدبلوماسي الذي تمارسه الامبريالية والصهيونية ، من خلال مجلس الامن، ومن خلال مخالفتها للقوانين الدولية، ونصرتها للحروب ولدعمها المطلق للكيان الصهيوني.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل