الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب جوزف الياس سركيس في الأخبار يقول:
بتاريخ 7 نيسان 2022، أذيع البيان الصحافي باللغة العربية الرقم 108/22، والذي أعلن فيه صندوق النقد الدولي التوصل الى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية مع لبنان. والهدف هو أن يستفيد لبنان من «تسهيل الصندوق الممدّد» (Extended Fund Facility) بحوالي 3 مليارات دولار أميركي لمدة أربع سنوات، وتضمن البيان ما حرفيّته:
«وأخيراً، تدرك السلطات الحاجة الى الشروع في الإصلاحات في أسرع وقت ممكن، واتفقت على استكمال التدابير التالية قبل اجتماع المجلس التنفيذي للصندوق:
– موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تقرّ مقدماً بالخسائر الكبيرة التي تكبّدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحدّ من الاستعانة بالموارد العامة.
– موافقة البرلمان على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم لتنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والبدء في استعادة صحة القطاع المالي، وهو ما يعدّ عاملاً جوهرياً لدعم النمو.
– الشروع في تقييم أكبر 14 بنكاً، كل على حدة، بمساعدة خارجية من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة».
يهدف هذا المقال إلى شرح منهجية تقدير حجم الخسائر (Losses Quantification) التي تكبّدها القطاع المصرفي والتي يجب الإقرار بها في استراتيجية إعادة هيكلة البنوك.
* أولاً: الخسائر الائتمانية المتوقعة (Expected Credit Losses) على توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان.
حدّد القرار الأساسي الرقم 6939 تاريخ 25 آذار 1998 وتعديلاته، المتعلق بالإطار التنظيمي لكفاية رساميل المصارف العاملة في لبنان (تعميم أساسي رقم 44)، النسب المطبقة لاحتساب الخسائر المتوقعة نظامياً (regulatory) على هذه التوظيفات.
مقتطف من الملحق الرقم 6 من هذا القرار:
– 1.89% النسبة المطبقة على التوظيفات لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية – استحقاق أقل من سنة.
– 1.89% النسبة المطبقة على التوظيفات لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية (بما فيها شهادات الإيداع) – استحقاق أكثر من سنة 1.89%.
* كانت النسبة المطبقة 0.10% (تعميم وسيط رقم 512 تاريخ 20 كانون الأول 2018) ثم رفعها المجلس المركزي لمصرف لبنان بعد حوالي أربع سنوات الى 1.89% (تعميم وسيط رقم 649 تاريخ 24 تشرين الثاني 2022).
يتبيّن مما ورد أن المجلس المركزي لمصرف لبنان قام بتعديل هذه النسبة من 0.10% (20 كانون الأول 2018) إلى 1.89% (24 تشرين الثاني 2022)، أي بزيادة 1.79% فقط، متجاهلاً تخفيض تصنيف لبنان الائتماني عدّة مرات منذ آب 2019 من جهة، ووجود خسائر كبيرة تكبّدها القطاع المصرفي في لبنان من جهة أخرى، والتي أشار إليها البيان الصحافي لصندوق النقد والمذكور أعلاه، علماً أن المجلس التنفيذي للصندوق دعا إلى «اتخاذ إجراءات مسبقة لمواجهة الخسائر الضخمة» (البيان الصحافي باللغة العربية الرقم 245/23 الصادر عن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بتاريخ 29 حزيران 2023 بعد اختتام مشاورات المادة الرابعة لعام 2023 مع لبنان). وفق صندوق النقد الدولي، كانت هذه الخسائر كبيرة في نيسان 2022 فأصبحت ضخمة في حزيران 2023.
سؤال برسم المجلس المركزي (عندما كان الحاكم السابق رياض سلامة رئيساً له): لماذا لم يعتمد المجلس نسبة أعلى بكثير من 1.89% (مثلاً 60%) على توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان؟ علماً أن النسبة التي اعتمدها على سندات اليوروبوندز بلغت 75% كما سيرد لاحقاً.
من المؤكد أن نسبة 1.89% غير واقعية وغير منطقية بدليل عدم تمكن مصرف لبنان من تسديد التزاماته تجاه المصارف التي وظفت معظم ودائع عملائها بالعملات الأجنبية لديه، وذلك طمعاً بالفائدة العالية التي كان يدفعها لها على هذه التوظيفات. وبالتالي، نقدر بحدود 80% (في حال عدم احتساب الذهب) النسبة الواقعية والمنطقية لاحتساب الخسائر المتوقعة حالياً على توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، علماً أن المجلس التنفيذي لصندوق النقد «أوصى بتشديد السياسة النقدية وتعزيز الجهود للحؤول دون تمويل الحكومة من خلال المصرف المركزي». قد تكون هذه الملاحظة أول اعتراف علني من قبل صندوق النقد بدور مصرف لبنان في تمويل الحكومة، ما يجعل من الدولة اللبنانية مسؤولة بالدرجة الأولى عن ردّ الودائع إلى المودعين، وبالتالي لا يمكن معالجة الخسائر عن طريق شطب هذه الودائع.
على الهامش، وبالإضافة إلى القرار الذي أعلن عنه أخيراً الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، والمتعلق بعدم تمويل الحكومة من قبل مصرف لبنان، يفرض على المجلس المركزي لمصرف لبنان اتخاذ القرار الواضح بعدم إعطاء قروض (مثلاً قروض مع حق الاسترداد) الى أي مصرف مقابل ضمانات عينية مقدمة من المصرف المستقرض نفسه، أو من مساهميه، أو من أعضاء مجلس إدارته، أو من زبائنه وذلك مهما كانت قيمة هذه الضمانات، علماً أنه يمكن منح مثل هذه القروض وفق أحكام المادة 102 من قانون النقد والتسليف.
في موضوع التقييم الخارجي المستقل لأكبر 14 بنكاً يجب استيضاح لجنة الرقابة على المصارف
* ثانياً: الخسائر الائتمانية المتوقعة (Expected Credit Losses) على توظيفات المصارف في سندات الخزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز).
حدّد الملحق الرقم 6 من القرار الأساسي الرقم 6939 تاريخ 25 آذار 1998 وتعديلاته المشار إليها في المقطع «أولاً» أعلاه (تعميم أساسي رقم 44) نسبة 75% لاحتساب الخسائر المتوقعة نظامياً (regulatory) على هذه التوظيفات. كانت النسبة المطبقة 0.72% (تعميم وسيط رقم 512 تاريخ 20 كانون الأول 2018) ثم رفعها المجلس المركزي لمصرف لبنان بعد حوالي أربع سنوات الى 75% (تعميم وسيط رقم 649 تاريخ 24 تشرين الثاني 2022)، أي بزيادة 74.28%.
قام المجلس المركزي لمصرف لبنان بتعديل هذه النسبة إلى 75% (24 تشرين الثاني 2022) بعد حوالي 8 أشهر من صدور بيان صندوق النقد الرقم 108/22، علماً أنه ورد في بيان الحاكم بالإنابة الصادر بتاريخ 17 آب 2023 أن القيمة السوقية لمحفظة سندات اليوروبوندز التي يملكها مصرف لبنان بلغت حوالي 387 مليون دولار أميركي (القيمة الاسمية لهذه السندات 5 مليارات و212 مليون دولار أميركي). وبالتالي، تمثل القيمة السوقية حوالي 7.5% من القيمة الاسمية لهذه السندات، أي بانخفاض في القيمة الاسمية بلغت نسبته حوالي 92.5%، أي أكثر من 75%.
* ثالثاً: مراكز القطع العملانية المدينة (Short Positions)
يسمح مصرف لبنان للمصارف (تعميم أساسي رقم 32 وتعديلاته) بالاحتفاظ بمركز قطع عملاني صافٍ، مدين أو دائن، لا يتعدّى في أيّ وقت نسبة 1% من مجموع عناصر الأموال الخاصة الأساسية الصافية…، على أن تكون المصارف المعنية متقيدة بصورة متزامنة ومتلازمة بنسبة الملاءة المتوجبة. إلا أن الحاكم السابق لمصرف لبنان سمح شخصياً لبعض المصارف بأن تتجاوز هذه النسبة، ما أدى الى تكوين مراكز قطع عملانية دائنة أو مدينة أكبر من تلك المسموح بها. مع الإشارة الى أن مصرف لبنان سمح للمصارف في 20 كانون الثاني 2023 (تعميم وسيط رقم 659) بأن تقوم بتصفية المراكز المدينة كما في 31 كانون الأول 2022 وذلك تدريجياً على فترة خمس سنوات، بحيث لا تتعدى:
– في العام 2023: نسبة 80%، بحد أقصى.
– في العام 2024: نسبة 60%، بحد أقصى.
– في العام 2025: نسبة 40%، بحد أقصى.
– في العام 2026: نسبة 20%، بحد أقصى.
– في العام 2027: 0%.
علماً أن مخاطر خسارة غير محدودة قد تنتج من احتفاظ أيّ مصرف بمراكز قطع عملانية مدينة.
وبالتالي، يجب الاعتراف بهذه الخسارة في استراتيجية إعادة هيكلة المصارف، وذلك من دون الأخذ بالحسبان سماح مصرف لبنان للمصارف بتصفية هذه المراكز تدريجياً على فترة خمس سنوات.
تجدر الإشارة الى أن مصرف لبنان طلب من كل مصرف تجاوز السقف المحدد لمركز القطع العملاني الصافي (1%) المذكور أعلاه تصفية التجاوز في مراكز القطع المفتوحة، بحيث تتم التصفية على أساس سعر الصرف المعتمد حالياً في تعاملات مصرف لبنان مع المصارف (أي 15 ألف ليرة لبنانية للدولار) وذلك في مهلة حدها الأقصى 31 آب 2023 (تم تعليق هذه المهلة بموجب التعميم الوسيط الرقم 677 تاريخ 11 أيلول 2023). بناءً عليه، يسعى مصرف لبنان حالياً الى تخفيض خسائره وتعزيز موجوداته بالعملات الأجنبية عن طريق الطلب من كل مصرف إعادة الدولارات، التي كان قد اشتراها من مصرف لبنان على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار (أيام الحاكم السابق)، على أساس 15 ألف ليرة لبنانية للدولار. قد ينتج من عمليات إعادة هذه الدولارات الى مصرف لبنان احتفاظ كل مصرف بمراكز قطع عملانية مدينة، وبالتالي ستزداد مخاطر الخسارة التي سيتحملها المودعون في كل مصرف في نهاية الأمر.
يتطلب وضع استراتيجية إعادة هيكلة البنوك تحديد الخسائر التي أوردناها أعلاه والاعتراف بوجودها مسبقاً، مع الإشارة الى أن موضوع تحديد هذه الخسائر لكل مصرف على حدة يعود الى تقدير لجنة الرقابة على المصارف وفق أحكام المادة 134 من قانون النقد والتسليف.
أما في ما يتعلق بتنفيذ هذه الاستراتيجية، فقد طلب صندوق النقد الدولي صراحة موافقة مجلس النواب على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم. وقد ورد في تقرير خبراء صندوق النقد الدولي المتعلق بالمشاورات حول المادة الرابعة لعام 2023 مع لبنان الصادر بتاريخ 18 أيار 2023 وتحديداً في المقطع الرقم 11 أن لجنة الرقابة على المصارف، بالتشاور مع خبراء الصندوق، تقوم بتحضير تشريع طارئ لمعالجة الأوضاع المصرفية وتحديد الشروط المرجعية (Terms of Reference) لتقييم خارجي مستقل لأكبر 14 بنكاً. ورد في التقرير أيضاً أنه لا يمكن إنجاز هذا العمل من دون قرارات سياسية تتعلق بتفاصيل استراتيجية إعادة هيكلة المصارف.
وللتقدم في موضوع التقييم الخارجي المستقل لأكبر 14 بنكاً، نقترح أن يتم الاستيضاح من لجنة الرقابة على المصارف من قبل كل من لجنة المال والموازنة ولجنة الإدارة والعدل عما تم إنجازه حتى الآن بالنسبة إلى التشريع الذي تقوم بإعداده لجنة الرقابة بالتشاور مع خبراء صندوق النقد الدولي.
* عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف