حوار في “المترو الباريسي” عن شارب نواف سلام وقهوة الطوائف ..(مريانا أمين)
مريانا أمين – باريس- الحوارنيوز
صعدت “المترو”، متجهة نحو مكان عملي، راكضة كما يركض أهل باريس كل صباح ومساء، لكنني كنت منزعجة قليلا لعدم قدرتي على شرب فنجان قهوتي المعتاد، لأن القهوة اللبنانية الصنع، التي جلبتها في حقيبتي ضمن كيس المونة المحاط بالزعتر والكشك قد نفذ.
صعدت مهرولة وأنا أفكر بالرئيس “ماكرون” الذي زار لبنان، وشرب القهوة بدلا مني وكأنني أحسده على فعلته أو أغار منه، خاصة أنه تجوّل في “الجميزة” وأنا التي أعشق وطني بكلّ حناياه وأماكنه. وبما أن مخيلتي تتوسع سريعا بدأت أسال نفسي مليون سؤال وسؤال.
هل استطاب طعمها؟
هل قارن القهوة الفرنسية الخفيفة المذاق بقهوتنا اللبنانية التي تسمى بالفرنسية القهوة التركية (café turc) وهي تعادل فناجين متعددة في ال cafetière الكهربائية أو الإيطالية كي تجعلني أتنشّط!؟
ولماذا قهوة الجميزة مثلا!؟
ولماذا ولماذا!؟
وكي لا استرسل كثيراً في الحديث عن القهوة، وتأريخها وكيفية وصولها للجميزة عبر الزمن،
سأخبركم عن حديثي مع امرأة فرنسية، تتصفّح جريدة le monde وعليها صورة رئيس مجلس الوزراء اللبناني المكلّف “نواف سلام”، وهي تقرأ محتوى ما كتب في المقال المرافق.
كان المقعد قربها فارغا وكأنه ينتظرني، فاستأذنتها بالسماح لي لألتقط الصورة، ريثما أبتاع العدد لاحقا من بائع الجرائد، لأنني ما زلت أفضل قراءة الصحف الورقية أكثر من الاطلاع على الأخبار في “النت”، أو عبر مقالات ومقتطفات “السوشل ميديا”.
بادرَت بسؤالي لماذا أهتم بهكذا مقال؟
قلت بكل بساطة لأنني لبنانية وكلّ ما يكتب عن بلدي الأم يهمني ويستوقفني، خاصة في هذه الظروف الحرجة التي تمرّ بها البلاد.
بادرتني بابتسامة لطيفة وقالت لي أنها أستاذة جامعية محاضرة لطلاب الدراسات العليا، وتضع بمتناولهم أحيانا مقالات من الصحف، كي يحللوا أسلوبها ومضمونها وأهدافها.
فبدأت أشعر وكأنني طالبة لديها في الفصل، حيث باشرت بدورها تحليل المقال أمامي، وأول ما أشارت إليه قولها:
“أنظري إلى رئيس مجلس الوزراء اللبناني المكلّف، لديه moustache (شارب)، فهو ما يزال محتفظا بأسلوب الأناقة القديم، وكأنه يشبه الاسبان نوعا ما، خاصة في هذه الصورة .كما أنّ عمره واحد وسبعون عاما! وهذه موضة جديدة باختيار الأشخاص ذوي العمر المتقدم، وعدم اختيار الشباب! لكن هذا ما يسري الآن في العديد من دول العالم، فإذا قارنّا بالولايات المتحدة مثلا، فهي خير مثال؛
فابتسمت من جديد، وأجبتها مازحة: “لكن أيضا في بعض الأوطان ينتخبون أطفالا أو مراهقين أو بعض الأحيان مجانين”.
بعد هذا الجو المرح استرسلت بالكلام، وبدأت المحاضرة بقولها أن عمل القاضي “سلام” سابقا وتاريخه مهم جدا، وقد دافع عن المظلومين وحاكم بعض الظالمين وأصدر قرارات بحقهم بكل جرأة غير مبال بالعواقب؛ عسى بمهامه الجديدة أن يحاكم الفاسدين يوما ما.
ثم أردفت بالقول إنه من عائلة سنيّة، وليس شيعية، ولا درزية، وهو ليس متطرفا، وعلى كل حال رئيس الجمهورية فقط مسيحي ماروني، أما باقي الطوائف فلديهم الحق في وزارات، ومناصب، ووظائف أخرى ( وهنا أصابني الذهول، يا إلهي! فهي تعرف عن السنّة والشيعة والدروز والموارنة وما يدور حولهم وفي فلكهم).
واردفت : “أتمنى أن يستقر وضع لبنان على الرغم من المخاوف، خاصة مع رئيس جديد مختلف عما سبقه، لأنكم لستم على وفاق تام مع جيرانكم في الشمال والشرق، كما الذين على حدود جنوبكم، وإلا بقي لديكم البحر فقط”.
وقبل أن أخرج مسرعة من المترو سألتها هل زرتِ لبنان سابقا؟
قالت: لا لم أزره ولم أزر أي بلد عربي أبدا، لكنني أطلع على أخبارهم من خلال الأخبار.
شكرتها على الحديث الشيق، وكنت أتمنى لو يستمر.
وانا أمشي في الشارع بين البشر من كل الأشكال والألوان، وقبل وصولي لمكان عملي توقف تفكيري وتحليلي فجأة في مكان واحد!
لماذا سنّة وشيعة ودروز وموارنة!
لماذا! في كل مرة يتكلم فيها الآخر عن وطني يتحدث عن الطوائف!
لماذا فقط لبنان!
لماذا ولماذا؟!
وعند فرصة الغداء لم أتناول الطعام كالعادة بل ذهبت إلى القهوة لأبحث عن قهوة من دون طوائف، عن قهوة لا دين لها، وذلك كي أرتشفها وأستريح من عناء مخيلتي الغزيرة.
قهوة! عندما أحتسيها، تجعل أذنيّ تستمعان إلى أخبار لبنان، الثقافية، والفنيّة، والإبداعية، والاقتصادية، والسياحية من دون الدخول في متاهات الأديان والطوائف!؟
لكن! ما أفرح قلبي أخيرا أن الرئيس ماكرون شرب القهوة في الجميزة، وأنا شربتها بالشانزيليزيه مقابل قوس النصر…
وهكذا تعادلنا…