د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
لماذا خطأ استراتيجي آخر ؟
وماهو الخطأ الاستراتيجي الذي سبقه ؟
الخطأ الاستراتيجي الذي سبقه، وهو الاول ، بعد سقوط النظام، عام ٢٠٠٣، هو تبنّي النظام السياسي الحالي، والذي ولِدَ من رحم الدستور الاتحادي العراقي لعام ٢٠٠٥ ، والموصوف بنظام “برلماني” وهو ليس كذلك، لأنهُ يفتقر الى آليات النظام البرلماني المعمول بها والمتعارف عليها في الانظمة البرلمانية ، وفي مقدمة هذه الانظمة، وأعرقها ،النظام البرلماني للمملكة المتحدة.
نظامنا قائم على ارادة مجلس النواب (مجلس الاحزاب)، والنظام البرلماني قائم على ارادة مجلس النواب، ومجلس الشيوخ أو الاعيان أو اللوردات، وارادة رئيس الوزراء، الذي يمتلك قرار حّلْ مجلس النواب، إنْ اقتضت المصلحة العامة، و بدعم الاغلبية النيابية التي يتكئ على قوتها وتأييدها.
نظامنا قائم على التوافق والتراضي والتغاضي، والنظام البرلماني قائم على آلية العمل بالاغلبية السياسية، و آليّة الأغلبية لا تعني احتكار السلطة من قبل مكّون واحد.
نظامنا يفتقر الى التوازن المطلوب بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ويفتقر، كنتيجة لذلك، للقدرة على اتخاذ قرارات تبني دولة، وتخدم الشعب، وكشاهد على ما أكتب هي حصيلة تجربة تطبيق النظام منذ خمسة عشر عاماً.
ليس في واردِ هذا المقال أن أسهب، اكثر من ذلك، عن الخطأ الاستراتيجي الأول، وهو تبني نظام سياسي غير قادر على بناء دولة، وخدمة الشعب. العِبّرة من سرد ذلك هي أن لا نرتكب خطأ استراتيجيا آخر بالمطالبة بتقويض القوة التي تحمي الشعب وتصون كرامته وتحافظ على ما تبقى من سيادته وتدافع عن امنهِ. النيّل من الحشد، بالمطالبة بحّله او بدمجّه او السعي لتجزئته هو هدف اسرائيل وامريكا و عملائهم ، لانهم ضد عراق مستقر و مزدهر ومقتدر . وهذا ليس بجديد على سعيهم الدؤوب في معاداة ومحاربة العراق، والتآمر بشتى الوسائل على تقويض مصادر قوّته واستنزافه. وأهم قوّة في العراق الآن ، وبعد المرجعية الرشيدة ،هي قوّة الحشد الشعبي. في الاحزاب السياسيّة ضعف وليس قوّة، لافتقار بعضها لحالة النضج و الوطنيّة . وفي النظام الديمقراطي، الذي نشهده ،ضعف وليس قوّة ، لأنَ أمام النظام الديمقراطي، وفي كل الدول الديمقراطية ، مُحددات و موانع تحول دون ممارسة الدولة لوسائل القسر الشرعية . كما انَّ الدولة واجهزتها مطالبة بتطبيق مبادئ الحريات و حقوق الانسان، وغالباً ما يكون هذا التطبيق على حساب هيبة ومصلحة الدولة ، وعلى حساب سيادتها.
علينا بالحذر واليقظة من ترويج تسّميات وتصنيفات للحشد الشعبي (حشد مرجعي وحشد ولائي) ، لأنها تنفيذ لأهداف الاعداء وتطبيق لمبتغاهم في شعار فرّق تسدْ او جزّأ تسدْ .أَلمْ نتعظ من محاولاتهم في بثْ الفتن من خلال الإمعان في تجزئة الشعب العراقي الى مكّونات وطوائف وحصص.
الحشد الشعبي قوّة وطنية عراقية، شرعيتها في “مرجعيّة التأسيس، ووطنية المهام، ومُشّرفة التجربة “.
الحشد الشعبي قوّة خاضعة للدولة، ولكنها غير خاضعة “لمُحددات وشروط” مفروضة اميركياً على الدولة، بحكم قرارات امميّة او اتفاقات ثنائية او …
كُلّنا نعلم بأنَّ جيشنا الوطني الباسل لا يمتلك الحرية المطلقة بالتسليح الجوي او غيرة ، وهناك حدود وشروط في تسليحه وامتلاك القدرات اللازمة، ووضعتْ هذه الحدود والشروط على مقاييس المصلحة الاسرائيلية والصهيونية.
كُلّنا نعلم بقوى وبجهات من خارج العراق ومن داخله تحول دون تسليح الجيش العراقي بأسلحة استراتيجية، أو حتى اسلحة دفاعية متطورَة، فلا بُّدَ من تطوير قوة عسكرية مُتحررة من املاءات الاحتلال والعقوبات الجائرة، والأجندات و العمالة والتآمر.
علينا ان نستخلص الدروس والعبرْ وأنْ نتعظ مِما مّرَ بنا وأمامنا، عراقياً، وعربياً ودولياً : تجربة التآمر في اسقاط الموصل وهروب وخيانة فرق عسكرية عراقيّة سُلّحتْ امريكياً، وتمّ تدريبها من قبل القوات الامريكية و التحالف الدولي؛ تجربة هروب واستسلام الجيش الافغاني لقوات طالبان ،وهوالذي تسلّح وتدرّب على ايدي الامريكيين وقوات الناتو؛ تجربة الجيش اللبناني الذي بقيَّ في تسليحه المتواضع تحت العناية و الرعاية الامريكية، وهي رعاية من اجل حماية اسرائيل!
مَنْ يقف مانعاً و صّداً لمطامع وانتهاكات اسرائيل هو حزب الله المتحرر من الشروط و الاملاءات الاميركية، المفروضة على دولة لبنان و مؤسساتها العسكرية والمدنية .
الحشد الشعبي هو مرجعي التأسيس وعراقي الولاء،دافعَ ويدافعْ عن العراق وعن سيادة العراق وعن امنه القومي وعن ثوابت الشعب و مقدسّات الشعب.
مُخطئ وظالم بحق الحشد ودماء شهداء الحشد والاهداف النبيلة للحشد، مَنْ يشّكك بوطنيّة الحشد و بهويّة الحشد أو بتبعيّة الحشد لإيران!
عندما يتسلّح الحشد بسلاح ايراني أو روسي لا يعني ذلك تبعيته لايران او لروسيا، وعندما يتزّود الجيش العراقي بسلاح امريكي ، ومشروط الاستخدام ومحدود القدرة، لايعني ذلك تبعيته لامريكا ، وإنْ رضخَ للشروط والاملاءات.
علينا ان نميزّ بين التعاون والتحالف وبين التبعية والعمالة؛ لاننتظر من أميركا أو من إسرائيل أو من حلفائهم في المنطقة أن يمدّوا الحشد الشعبي بالسلاح وبالخبرة! ومن الطبيعي أن تكون للحشد مع إيران ومع سوريا علاقة تعاون وتبادل خبرة ومعلومات ومصالح وطنيّة مشتركة.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى