حلقة مفرغة بين الحكومة والقطاع العام..والدولة نحو الإنحلال (عماد عكوش)
د. عماد عكوش – الحوار نيوز
للأسف ،دخلت المفاوضات بين رابطة القطاع العام والحكومة اللبنانية في حلقة مفرغة . فالصيغة الاولية التي بحثت فيها اللجنة الوزارية تتضمن استفادة موظفي القطاع العام من راتب ومنحة تعادل الراتب وبدل نقل 95 الف ليرة وبدل إنتاج يومي تراوح قيمته ما بين 150 ألف ليرة و300 ألف مقابل حضور 3 أيام على الاقل أسبوعيّاً. لكن الصيغة غير النهائية هذه قوبلت بالرفض واستمرار الاضراب .فالموظفون يرفضون التدابير المؤقتة وعدم إدخال هذه الزيادات في صلب الراتب ،وهذا ما لا يمكن إقراره اليوم قبل معرفة الواردات الحقيقية التي يمكن أن تحصّلها أي تعديلات، سواء في الرسوم التي سيتم تحصيلها بالدولار الأميركي، أو تلك التي يمكن ان يتم تحصيلها بفعل التعديل في الدولار الجمركي والوارد في موازنة العام 2022 .
سيناريوات عدة ستُطرح لتحصيل الايرادات اللازمة لتمويل زيادات الرواتب ، ومن أبرز الإيرادات المتوقع استيفاؤها رسوم هبوط الطائرات الأجنبية في مطار بيروت بالدولار النقدي بدلاً من استيفائها على سعر صرف 1500 ليرة، بما يسمح بإدخال 500 إلى 600 ألف دولار يومياً إلى خزينة الدولة . كما يمكن تأمين الاموال من خلال سلفة ، ليبقى طرح التمويل من الدولار الجمركي قيد الدراسة ، وهو اقتراح في حال السير به بطريقة غير مدروسة وغير متدرجة بالتوازي مع رفع الرواتب وبشكل متدرج أيضا، سوف ينعكس سلبا على الدورة الاقتصادية والنمو عموما نتيجة انكماش مرتقب للإستهلاك وحركة بعض القطاعات .
وقد وصف وزير المالية يوسف الخليل في دردشة مع عدد من الصحفيين ، المخصصات المالية الإضافية التي تعطى للعاملين في القطاع العام تحت مسميات مختلفة بالملحة والطارئة، وذلك لإعادة تفعيل القطاع العام كي يأخذ دوره على أكثر من صعيد، وأبرزها تسيير أمور الناس ، وتحصيل إيرادات لصالح الخزينة العامة ، وتوفير رواتب القطاع العام نفسه . ولفت إلى أن “عدم تفعيل العمل الإداري يشل الجهاز التنفيذي الأساسي للدولة ويحرمها من الحد الأدنى من الموارد المالية ، وبالتالي تتهدّد إستمرارية تأمين الرواتب والأجور”.
ان الاستمرار في الاضراب المفتوح يعني الذهاب نحو انحلال الدولة وتوقف العمل بشكل تدريجي ،حتى في القطاع الخاص المرتبط بشكل أو بآخر بعمل القطاع العام. وهذا ما يحصل اليوم بالنسبة لموضوع تراكم الحاويات في مرفأ بيروت وعدم اخراجها في الوقت المناسب ، وهذا ما حصل ويحصل مع الصادرات الزراعية عبر البر ويمكن ان يحصل مع الصادرات الصناعية عبر المرافئ البحرية .
ان الخيارات اليوم أمام الموظف أصبحت ضيقة ،والحكومة تأخرت كثيرا في اتخاذ الاجراءات المطلوبة، كما تأخرت في موضوع العلاج المصرفي وخطة التعافي ، لذلك أرى من الضرورة اليوم الاستعجال في اقرار الموازنة ووضع استراتيجية واحدة للتعامل مع القطاع العام بالتوازي مع زيادة الواردات، وألا فإننا ذاهبون نحو الاسوأ .
في المقابل نفّذت السلطة ما هدّدت به في الاجتماعات السابقة التي عقدت في السراي الحكومي برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وبحضور المديرين العامين ، وأقرّت تجزئة الأجور لتصبح مشكلة من أربع أجزاء تشترط فيها حضور الموظفين إلى العمل من أجل تقاضيها . وفي المقابل ، قرّرت أيضاً أن ترفع الدولار الجمركي من خلال إصدار مرسوم استثنائي يعدّ مخالفاً للدستور . هذا التهديد للعاملين في القطاع العام يشمل إحالتهم إلى التأديب إذا لم يحضروا أقلّه ثلاثة أيام أسبوعياً ، أو بفصلهم واعتبارهم مستقيلين من الوظيفة في حال استمر تغيبهم عن العمل لمدّة 15 يوماً متتالية.
فماذا سيكون عليه الوضع الشهر المقبل الذي سيكون شهر الفصل ؟