حلب والمدن الميتة: أنا أقوى(محمد قجة)
محمد قجّة *- الحوارنيوز خاص
1 – هذا المصطلح “المدن الميتة” أو المدن المنسية أو مدن الكتلة الكلسية يشمل مئات النقاط اﻵثارية شمال غرب سورية . وتمتد هذه المدن من أفاميا جنوبا إلى قورش شماﻻ بطول 140 كم . وبعرض يتراوح بين 20 و 40 كم . وأبرز مدنها وآثارها : البارة . رويحة . جرادة . سرجيﻻ . باعودا . سمعان . المشبك . قلب لوزة . باريشا . اﻷعلى . الزاوية .. الخ …
2 – تعود هذه التسمية إلى مرحلة تاريخية ترتبط بالصراع بين امبراطورية الفرس الساسانيين وامبراطورية الروم البيزطيين خﻻل القرن السابق لظهور اﻹسﻻم .
وقد تمكن كسرى أنو شروان من اجتياح بﻻد الشام وتدمير مدنها عام 540 م . وخرب أنطاكية التي كانت عاصمة سورية . كما خرب حلب ومحيطها .
ولكن الحروب اﻷشد واﻷعنف كانت مطلع القرن السابع الميﻻدي ؛ وذلك حينما تمكن كسرى أبرويز من إلحاق هزائم متتالية بالبيزنطيين . ووصلت جيوشه إلى البوسفور واحتل مصر وبﻻد الشام . ودامت هذه الحروب ربع قرن حتى 628 م . وأدت إلى دمار واسع وتخريب المدن وقطع أشجار الزيتون ؛ مورد الرزق الرئيسي ؛ وكذلك الكروم .
وقد تمكن هرقل البيزنطي من اﻻلتفاف حول الجيوش الساسانية عبر البحر اﻷسود . واستعاد ما كان الفرس فد احتلوه .
3 – بعد سنوات قليلة كان العرب المسلمون يقوضون اﻻمبراطورتين : الروم في اليرموك ، والفرس في القادسية ونهاوند .
4 – تعرضت منطقة الكتلة الكلسية من جديد لتدمير آخر حينما اجتاح نقفور فوكاس البيزنطي حلب وماحولها عام 962 م أيام الدولة الحمدانية . ومارس همجية فظيعة في التدمير والنهب والقتل والسبي والتهجير . وأخذ 12000 من شباب المدينة ليكونوا عبيدا ويدا عاملة مجانية في القسطنطينية .
5 – ماالذي فعلته حلب اليوم لكي تمر بها تلك الزﻻزل واﻷعاصير التي فاقت كل ما شهدته سابقا. هل هناك من يريد إخراجها من التاريخ ؟!! من الذي يسعى إلى إلغائها جغرافيا واقتصاديا وبشريا ؟!! .من يهمه تمزيق نسيجها اﻻجتماعي والحضاري الممتد عبر آﻻف السنين تسامحا ومرونة وقبوﻻ باﻵخر وتعددية راقية ؟!!. لماذا كل هذا العنف المدمر الرهيب ؟؟!! .
هل يمكن إفراغ المدينة من مﻻيينها الخمسة ؟! ولمصلحة من يتم ذلك ؟! وهل تلتحق حلب بالمدن الميتة المنسية التي تحيط بها ؟! أم إن قوما آخرين سيحلون محل سكانها المهجرين ؟!
6 – حلب مثال لما يحل بسورية ؛ ولكنه مثال مضخم تجويعا وظمأ وغﻻء وحصارا ودمارا أدى كله إلى تلك القوافل المتدافعة عبر زوارق الموت وحدود اﻹذﻻل وتجار البشر .
شباب في عمر الورود متعلمين وحرفيين يغادرون بلدهم وبيتهم بحثا عن المجهول . وسوف تستفيد من طاقاتهم شعوب أخرى . وحولهم تتداعى مصالح إفليمية ودولية توظفهم على هواها .
اسألوا حلب المحروسة: هل ستغادرين الحياة وتلتحقين بالمدن الميتة؟
هل ستصبحين مدينة أشباح بعد تهجير مﻻيينك؟ ستجيبكم حلب:
أنا أقوى من كل ما يحاك حولي من إجرام ودمار وإفقار وتهجير.
وكما طويت ريموش وسلمنصر وفوكاس وهوﻻكو وتيمورلنك .. فإن قلعتي أقوى وأكبر من كل طغاة اﻷرض …
لن أكون مدينة ميتة.
*كاتب ومؤرخ – سورية