رأيسياسةمحليات لبنانيةمن هنا نبدأ

حكومة “أمر واقع”.. و”الثقة بالإكراه” ؟!(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز

“الحكومة لن يكون فيها تمثيل حزبي..”

قالها نواف سلام من القصر الجمهوري مساء أمس بعد لقاء لنحو ساعة مع الرئيس جوزف عون.هي واحدة من الشروط الأربعة التي طرحها رئيس الحكومة المكلف، وقال إنه متمسك بها لتشكيل الحكومة “مهما كلف الثمن”.

“حكومة ليس فيها تمثيل حزبي”.. ربما أراد سلام أن يقول إن الحكومة لن تضم “حزبيين” ..لا بأس ،لا يمنع الدستور ولا القانون ولا العرف ذلك. ولكن ألاّ يكون في الحكومة تمثيل حزبي ،ولو بالتسمية، ومن غير الحزبيين ،فهذا أمر آخر يستدعي التوقف عنده ، خاصة وأن الأحزاب في لبنان تمثل نحو 80 بالمائة من البرلمان ، فكيف يستوي الأمر مع هذه البدعة؟ وكيف يمكن للحكومة أن تنال الثقة إذا رفعت الأحزاب الغطاء عنها؟

ربما هناك “غاية في نفس يعقوب” لم يفصح عنها نواف سلام،نقرأ في صحنها في خاتمة هذه المقالة .

ولكن قبل ذلك فلنناقش مسألة على صلة بما تقدم ،لطالما أطنب اللبنانيون في الحديث عنها مع كل تشكيلة حكومية جديدة ،وهي “المحاصصة الحكومية”،وكأن المحاصصة في تشكيل الحكومات عيب من عيوب الديموقراطية؟

لنتفق أولا على مناقشة هادئة ومنطقية في هذا السبيل، لوضع الأمور في نصابها الصحيح:

 فالنظام اللبناني، نظام برلماني ديموقراطي (على ذمة الدستور الذي يقول في مقدمته ” لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية) ،يقوم في غالبيته على تعددية الكتل البرلمانية الحزبية والمستقلة،وهو ما تقوم عليه النظم البرلمانية الديموقراطية في العالم. وتستند هذه النظم على الانتخابات التي تنتج القوى النيابية لهذه النظم،تمهيدا لتشكيل السلطة التنفيذية التي تتمثل بالحكومات.وينشد الساعون لتشكيل الحكومات، تأمين غالبية برلمانية لنيل الثقة،وهي شرط من شروط الحكم.

في بعض الدول يتمكن حزب واحد من الفوز بالأغلبية البرلمانية فيحكم سيطرته على السلطة التنفيذية،فلا يشارك ولا يحاصص  . وفي غالبية الدول تحكم التعددية الحزبية البرلمانات ،ما يدفع الحزب الأكبر عددا إلى السعي لائتلاف برلماني يؤمّن الأغلبية لنيل ثقة البرلمان. ومن الطبيعي أن تتوزع المناصب الوزارية على قوى هذا الإئتلاف ،كل حسب نسبة تمثيله في هذا البرلمان. وهذا الأمر في حد ذاته هو نوع من أنواع المحاصصة التي يُطلق عليها تعبير “المشاركة العادلة”.

لبنان في تركيبته البرلمانية المتعددة يخضع للقاعدة الثانية ،إذ لم يستطع حزب واحد من أحزابه في الغالب، تأمين أغلبية برلمانية ، فيلجأ رئيس الحكومة إلى التشاور مع الكتل البرلمانية لتوفير هذه الأغلبية لنيل الثقة بالحكومة. ومن الطبيعي أن تتوزع المناصب الوزارية بحسب نسب التمثيل البرلماني لهذه الكتل.فأين يخرج لبنان عن القواعد العالمية؟ وهل يمكن لحكومة لبنانية من خارج رأي البرلمان أن تنال الثقة أو تتمكن من الإستمرار والحكم؟ وهل الدستور اللبناني في روحيته يخرج عن منطق المشاركة التي يطلق عليها إسم “المحاصصة”؟

رب قائل إن التشكيلة الوزارية في لبنان تخضع للمنطق الطائفي والمذهبي: نصف الحكومة من المسلمين ونصفها الآخر من المسيحيين ، وتتوزع الوزارات على مذاهب كل طائفة بحسب عديدها السكاني.

هذا صحيح ،لأن المشكلة في لبنان هي في النظام الطائفي ،حيث الأحزاب السياسية باتت قوى طائفية شبه خالصة .فهناك الثنائي الشيعي ،والثنائي الماروني، والكتل السنيّة المتجانسة مذهبيا،وكذلك بالنسبة للدروز،ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى أقلية تكاد لا تشكل ربع البرلمان ،وهي أقلية مشرذمة ليس لها موقف موحد.

  وفي حكومات ما بعد الطائف غلبت “المشاركة الوطنية” على الحكومات ،بحيث غابت المعارضة عن الساح، لكن هذه القاعدة خُرقت أكثر من مرة ،وآخرها في الحكومة الأخيرة التي رأسها الرئيس نجيب ميقاتي. وكانت هذه الحكومات تُدرج تحت باب “المشاركة”،لكن ظل شعار “المحاصصة” يحكم منطق الغائبين عن هذه الصيغ.

في فرنسا خضعت الحكومة الفرنسية قبل أشهر لمنطق المحاصصة وسقطت بعد ذلك في الجمعية الوطنية بحجب الثقة ،ثم تشكلت حكومة جديدة راعت المحاصصة بين الأحزاب ،لكن لم يسم أي فرنسي ما جرى بأنه محاصصة، ولم يقل أحد أن ذلك عيب ديموقراطي.

وتظهر المحاصصة في أبهى صورها لدى “الجيران الألداء”(الكيان الصهيوني)،حيث الإئتلاف الحكومي يوزع الوزراء على الأحزاب المشاركة ،حصة وحصة،ومع ذلك لم نسمع إسرائيليا يتحدث عن محاصصة، بل مشاركة إئتلافية.

في الخلاصة ،إن الخروج من منطق “المحاصصة الحكومية” ، يستدعي الخروج من دولة الطوائف بكل حيثياتها إلى “دولة المواطنة”،وهذا هو التحدي الذي يواجه اللبنانيين بأحزابهم وكتلهم البرلمانية وقواهم السياسية ،والطريق إلى ذلك يقوم على استكمال اتفاق الطائف،أو التمهيد لذلك بقانون انتخابي على أساس الدائرة النسبية الواحدة لكل لبنان ،وإنجاز قانون للأحزاب يقوم على التعددية الطائفية.ومن دون ذلك سيبقى الحديث عن “المحاصصة الحكومية” محلا للنكد السياسي الذي يحكم البلد بكل ما فيه.أوليست المحاصصة في الإدارات العامة سمة من سمات هذا النظام الطائفي البغيض؟وهل ستتمكن الحكومة العتيدة من مخالفة الدستور في وظائف الفئة الأولى التي تتوزع محاصصة بين الطوائف والمذاهب ؟

 عود على بدء

وعود على بدء، حيث يُستدل من كلام نواف سلام ولهجته “الجازمة” أننا متجهون نحو حكومة “أمر واقع”،سوف يطرحها الرئيس المكلف  ويذهب بها إلى البرلمان مع بيان وزاري جاهز يشبه “البيان رقم واحد” في الإنقلابات العسكرية،على أمل نيل الثقة في “اللحظة الأخيرة.. و”بالإكراه” !

   قد يكون ذلك واردا في ظل التغييرات السريعة التي تشهدها المنطقة ،وآخرها ما جرى مساء أمس في سوريا الشقيقة حيث صار “الجولاني” رئيسا للجمهورية العربية السورية ..أولسنا في “زمن اللحظة الأخيرة”؟

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم !

       

  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى