كتب أكرم بزي
18 تشرين الثاني 2020، اتصلت بي إحدى الإعلاميات من لبنان وسألتني عما يجري في لبنان، وعما جرى قبلها بليلة واحدة من تظاهرات وصخب اعلامي وما رافقها… (باختصار)، أجبتها “المطلوب أخذ البلد الى فوضى”.
اصطلاح نظرية “الفوضى الخلّاقة” أو “الفوضى البنّاءة” أو “التدمير البنّاء” ظهر ولأول مرة على لسان المؤرخ الأميركي “تاير ماهان” عام 1902، وتوسّع فيما بعد الأميركي “مايكل ليدين” في شرح هذه النظرية بعد أحداث 11 أيلول، ويعني هدم كل ما هو قائم وتدميره، إلا أن اصطلاح “الفوضى الخلاقة” التصق بصورته النظرية، ومعناه التطبيقي، وبعده الجيوسياسي، بوزيرة الخارجية الأمريكية، مستشارة الأمن القومي لاحقاً، (كوندوليزا رايس)، عرّابة غزو العراق وخريطة “الشرق الأوسط الجديد”. ويبدو أن هذا ما يتم تطبيقه من قبل عام ٢٠٢٠ ولغاية الآن في لبنان.
بلا سرديات ومقدمات طويلة، وبصرف النظر عن نوعية الناس الذين خرجوا اعتراضاً على الوضع المعيشي وغلاء الأسعارو…الخ. فما جرى بدا بريئاً وعفوياً، إلا أن هناك من كان ينتظر مثل هذه الفرصة لاستغلالها الى أقصى الحدود والاستفادة من تداعياتها لفرض نتائج ووقائع تعيد خلط الأوراق في الساحة اللبنانية وإعادة الساعة الى الوراء، أي الى أجواء الحروب اللبنانية، وتثبيت مظهر الطبقة السياسية في لبنان بمظهر العاجز عن تقديم الحلول المطلوبة، وبالتالي إغراق البلد أكثر فأكثر بحالة الفوضى والفقر والفلتان الأمني.
ففرض العقوبات الاقتصادية على بعض مكونات المجتمع اللبناني وتأثره المباشر بالحصار الاقتصادي والتي تضيق حلقاتها يوماً فيوماً، ولعبة التجويع المتعمدة من جهات إقليمية ودولية وسياسيين واقتصاديين محليين يرتبطون ارتباطاً مباشراً بالسفارات الغربية وغيرها، ما هي الا أداة ضغط لتفجير الساحة اللبنانية وخلق “حدود” أمنية داخلية تستطيع الأجهزة المخابراتية من خلالها إحداث “دفرسوارات” مناطقية على امتداد المحافظات اللبنانية، وبالتالي احكام القبضة رويداً رويداً على كل المفاصل الحيوية ومسك زمام المبادرة وفرض الشروط التعجيزية، المرفوضة الآن و”المقبولة قهراً” في المستقبل (رغباتهم)! (إنها أحدى أدوات نظرية: “الفوضى الخلّاقة)، والتي يقوم بها أصحاب هذه النظرية ومبتدعوها، ويساعد في ذلك بعض رجال السياسة والاقتصاد، عن قصد وغير قصد وكلٍ بحسب مصالحه الخاصة.
ليلة الـ “10 آلاف”، لا تفرق كثيراً عما قبلها من الليالي التي تخطى فيها سعر الدولار الحدود القصوى، فالفرق بين سعر الـ 1500 ليرة للدولار الواحد وارتفاعه بشكل مضطرد وجنوني كل فترة لم يقابله أي تحرك مثلما حدث أوائل هذا الأسبوع، فالنزول الى الشارع بهذا الشكل بأكثر من 70 نقطة امتدت في المناطق اللبنانية كافة كان موضع ترحيب لدى بعض السفراء الأجانب الذين كانوا ينتظرون مثل هذه اللحظات للقيام بالتدابير اللازمة وتوسعة الرقعة لاحكام الطوق أكثر فأكثر، وبعض السفارات قامت “بواجباتها” من خلال اتصالات جرت مع أكثر من طرف لدعم حركات الاحتجاجات وتوسيعها “لتؤدي الدور المنشود لها”، مع “التوصيات” للجهات المعنية بعدم الاعتراض والمساس بها.
وقد يبدو للبعض بأن الأزمة هي فعلاً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، إلا أن ما رشح عن دوائر قصر بعبدا من أن الرئيس عون قدم التسهيلات اللازمة للقيام بتكليف الحكومة، ورفض الرئيس الحريري مرة أخرى، يبين وبكل وضوح أن المشكلة ليست في لبنان بل في مكان آخر اعتاد بعض الفرقاء السياسيون في لبنان على الانصياع له، والوقوف على رغباتهم وعدم مخالفتهم … (طال عمرك).
رغم الأزمة الخانقة التي نعيشها، فما ينتظر لبنان أسوأ بكثير مما هو عليه الآن، اذا ما استمرت حركة التعطيل لكل الحلول الممكنة، وما هو متاح الآن سيصبح صعبا جداً في المستقبل القريب وليس البعيد. وليس مستغرباً أن تكون “إفشال” كل المساعي لتشكيل الحكومة بذرائع متعددة، هي احدى الوسائل الأساسية والمعتمد عليها للوصول إلى الفوضى الشاملة من أعلى الهرم إلى أسفله. الامور ذاهبة نحو التصعيد على الارض، وما الظهور المسلح من فترة إلى أخرى وفي كل المناطق اللبنانية، إلا إشارات، توحي بالانفجار القريب ما لم يحتكم العقلاء الى ضمائرهم والقيام بما يمليه عليهم الواجب.
زر الذهاب إلى الأعلى