رأي

حقّنا على المقاومة أن تحفظ نفسها (نسيب حطيط)

 

كتب د.نسيب حطيط – الحوارنيوز

 

يشهد لبنان ودول الشرق الأوسط ،إستباحة أمنية وعسكرية، يمارسها التحالف الأمريكي- الإسرائيلي، ويقوم الجيش الاسرائيلي  بعمليات القصف الجوي والإجتياح البري والإغتيال في لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن، إضافة لعملياته داخل  فلسطين، سواء في غزة التي تحكمها المقاومة او في الضفة الغربية التي تحكمها السّلطة الفلسطينية ،أما بقية العالم العربي، فإنه سلّم مفاتيحه ،طوعاً ،للتحالف الأميركي- الاسرائيلي من بوابة التطبيع واتفاقيات السلام وآخر نسخها “الديانة الإبراهيمية”. وتشهد ساحة الشرق الاوسط حرباً بين مشروعين:

–  المشروع الأميركي للسيطرة على المنطقة وإعادة تقسيمها وتعيين أنظمتها واخلائها من حركات المقاومة ودولها وثقافتها .

 –  المشروع المقاوم بقيادة إيران الذي يحاول تحرير المنطقة من الوجود الأميركي وتحرير فلسطين من الإحتلال الاسرائيلي .

وبما ان المشروعين، لم يتركا فسحة للمساكنة او المهادنة ورفعا شعار الإقتلاع والاجتثاث المتبادل مع عدم تكافؤ القوى والإمكانات ، تبدو الغلبة لصالح المشروع الأميركي(اقتصادياً وعسكرياً ومالياً) الذي يمتلك القدرات العالمية ويتحكّم بالمؤسسات الدولية وفي مقدمتها مجلس العمل والأمم المتحدة وكل المؤسسات التابعة او الرديفة.

لقد خاض المشروع التحرّري القومي واليساري العربي معارك عديدة ضد التحالف الاميركي الاسرائيلي والبريطاني منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحتى وفاة الرئيس عبد الناصر حتى العام 1970 ، واستطاع الرئيس حافظ الأسد حفظ المشروع المقاوم باحتضان المقاومة الفلسطينية ثم المقاومة اللبنانية حتى انتصار الثورة الإسلامية في ايران، التي قادت المشروع التحرّري المقاوم ضد التحالف الأميركي-الإسرائيلي منذ العام 1979 وما يزال في حرب مستمرة .

بدأت اميركا مشروعها “تغيير معالم الشرق الأوسط” واشعلت”الربيع العربي”، ونجحت في أكثر من دولة عبر “الفوضى البناءة” التي أطلقها المسؤولون الأميركيون ،بنسخهم الديمقراطية والجمهورية، واستطاع محور المقاومة إنقاذ العراق وسوريا ولبنان بعد 10 سنوات من المواجهة وإطلاقه مشروع تطهير المنطقة من الوجود الأميركي ومعركة زوال إسرائيل!

  سرّعت عملية “طوفان الأقصى” المواجهة الميدانية بين المشروعين ،بشكل مباشر وعنيف ،لكنها شكّلت “ثغرة” في استراتيجية المواجهة، بناءً على ما صرّحه طرفا محور المقاومة (إيران والمقاومة اللبنانية) اللذان أعلنا عدم معرفتهما او شراكتهما في التخطيط وساعة الصفر ،ما اصابهما بالإرباك ودفع المقاومة في لبنان ،للشراكة في حرب “الإسناد” في اليوم الثاني دون ان يكون هناك تحضير للمعركة او اعتقاد بإمكان ان تبادر إسرائيل،لإستغلال الفرصة الذهبية “للثأر” من المقاومة  وتنفيذ حلمها وأحلام اميركا وبعض العرب واللبنانيين للقضاء على المقاومة، فكانت “الحرب الرابعة ” على لبنان.

حاولت المقاومة طوال عام  الا تنزلق للحرب الكبرى مع العدو الإسرائيلي، واستطاعت إبقاء حرب الإسناد ضمن سقف محدّد وقواعد اشتباك احترمها  الطرفان بشكل كبير، وتم خداع المقاومة بزيارات “هوكشتاين” المكوكية، والتي اعطت انطباعاً بأن العدو الإسرائيلي يستجدي وقف النار وانه لن يبادر الى حرب كبرى ،بالتلازم مع اطمئنان المقاومة أنها لن تكون وحيدة إذا وقعت الحرب الكبرى ،بل ستخوض الحرب ، ضمن وحدة الساحات، ما يعني حرباً إقليمية، وهذا ما لا تريده اميركا وإسرائيل( كما أفترض محور المقاومة وبنى استراتيجيته على هذا الافتراض).

لكن الوقائع وعدم قراءة التاريخ الأميركي والإسرائيلي الذي يعتمد الغدر والخداع وعدم الالتزام بالإتفاقيات،أوقع المقاومة في فخ الحرب الإسرائيلية-الأميركية من دون سقوف وقيود، سواء في غزة او في لبنان وربما في ساحات أخرى، إن لم تستطع المقاومة في لبنان الصمود واستيعاب “التسونامي الأميركي-الاسرائيلي”الذي بدأ منذ 50 يوما باغتيال “السيد الشهيد”.

استطاعت المقاومة في لبنان تجاوز الضربات القاسية التي تلّقتها وترميم تشكيلاتها واستطاعت استيعاب الهجوم الإسرائيلي البري والصمود لأكثر من 50 يوماً، وهي مطالبة الآن من أهلها أن تبادر لحماية نفسها اولاً ،ضمانا لأهلها ومستقبل لبنان وان تسلك الحكمة والتقّية السياسية والعسكرية، وان تقلّد الإمام الخميني الذي تجرّع كأس السّم لحماية الثورة ووافق على القرار  598 ،وكان قراراً حكيماً بعيداً عن العواطف والإنفعالات.

لن نعاتب المقاومة على ما ستقرّره في السياسة ،حفظاً لنفسها وأهلها، سواء قدّمت  تنازلاً ثانوياً او إنكفاءً او استيعاباً لمرحلة صعبة، وهي التي قدمت قائدها وقياداتها وآلاف الشهداء والجرحى ولم تستسلم ،لكن حقّنا عليها ان تحفظ نفسها وواجبها ان تُكرمنا بالإجابة، لأنها إذا بقيت وحيدة على مقاومتها الاستشهادية ،فإنها ستعرّض نفسها وأهلها ولبنان للخطر والإنحناء للعاصفة لحفظ النفس وللإستمرار بالمواجهة، ليس عيباً او استسلاماً، بل قراراً حكيماً وشرعياً وعاقلاً وفق معادلة التراجع خطوة للخلف للإنقضاض للأمام ووفق والمنهج القرآني (إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ ..) كما كان تفاهم نيسان عام 1996 وحرب تموز 2006 ،ولن يعاتبها أحد. فلقد قدمت أكثر مما تستطيع وهي التي تقاتل وحيدة ،حلفاً عالمياً متوحشاً وبلا اخلاق…وربما لا يوافق على وقف النار طمعا بتنازلات اكثر!

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى