هل صار لبنان “الضفة الغربية لإسرائيل الكبرى” ؟ (نسيب حطيط)

بقلم د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
بعد توقيع “إتفاق تشرين” الذي أوقف الحرب من طرف واحد واستمر العدو الإسرائيلي بإجتياحه الجوي، ونتيجةً لإنهيار قواعد الإشتباك التي حكمت الجبهة الجنوبية منذ عام 2006 بالإضافة ،لتجميد المقاومة لمنظومة الردع “مرحلياً”، تحوّل لبنان الى ساحة حرب تماثل ساحة “غزة”، وساحة أمنية مُستباحة مثل الضفة الغربية، وهو على مشارف ان يتحوّل “ضفة غربية” داخل “إسرائيل الكبرى” التي بدأت ملامحها تظهر في الجغرافيا السورية واللبنانية بإنتظار وصولها الى الساحة العراقية.
رفع التحالف الأميركي-الإسرائيلي مستوى ضغوطه على المقاومة وأهلها، ووسّع جغرافية خرق وقف إطلاق النار ،حيث صارت الضاحية الجنوبية من القرى الحدودية ،وصار القصف والإغتيال بشكل اسبوعي وربما سيصبح يوميا، والأكثر خطورة ان يتطوّر لقصف الإحتفالات واغتيال المدنيين في سياراتهم كما هو الحال في الجنوب.
ان الضغوط السياسية الأميركية والتصعيد العسكري الإسرائيلي والذي سيكون أكثر كثافه وسخونة خلال الأشهر القادمة ،هدفها وضع المقاومة أمام ثلاثة خيارات أسوأ من بعضها:
– العودة الى الحرب وانهيار وقف النار واستكمال عملية إجتثاث المقاومة كما فعلت إسرائيل عام 1982ضد المقاومة الفلسطينية.
– تسليم السلاح او نزعه بالقوة ،لإنهاء منظومة المقاومة المسلّحة في الصراع العربي-الإسرائيلي.
– توقيع اتفاقية سلام وتطبيع مع العدو الإسرائيلي وتأسيس” إسرائيل الكبرى” دون حروب .
يستعجل التحالف الأميركي-الإسرائيلي قطف الثمار السياسية لحرب 66 يوما والضربات القاسية التي تلقتها المقاومة وعدم التأخير في تحقيقها قبل فوات الأوان ،مقابل صبر المقاومة وحكمتها ومحاولتها شراء الوقت بإنتظار توفير القدرات ،لإعادة التوازن وتثبيت قواعد الإشتباك السابقة والتي تحتاج الى بعض الوقت ،خاصة بعد سقوط النظام في سوريا وخروج غزة من ساحة الميدان بالشكل المؤثر بعد حرب الإبادة والحصار العربي وإعلان “حماس” قبولها المبدئي بالتنازل عن الحكم في غزة، مع ما يستدعي ذلك من تنازلات على مستوى الكفاح المسلح والإعتراف بدولة إسرائيل!
إن موقف المقاومة من الخيارات الثلاثة ،لا يحتاج لكثير من النقاش ،فلن تعلن خروجها من وقف النار والعودة للحرب “الآن” مهما تعرّضت للإستفزاز او الإستدراج والخسائر، ولن تسلم سلاحها ولن تعترف بإسرائيل او توافق على التطبيع والاستسلام، بل ستتجه الى خيار رابع وهو خيار “الصبر والإعداد” الذي تقوم به منذ وقف النار، واستطاعت شراء أربعة أشهر من الوقت وتحتاجه الى اشهر أخرى ،لأنه ممنوعٌ عليها ان تنهزم في أي معركة جديدة ستخوضها ،بل على العكس عليها ان تحقق إنتصارات إستراتيجية ، تفرض الردع وإعادة قواعد الاشتباك التي تحفظ المقاومة واهلها وتفرض الإنسحاب الاسرائيلي وتمنع إتفاقية السلام وتعيد إتفاق الهدنة عام 49 وحصر مهمة المقاومة بالدفاع عن لبنان(جنوباً وشرقاً) بالمعطى العسكري، دون أي مهمة أخرى خارج الحدود. ولا يعني ذلك الخروج من المسؤولية الدينية والأخلاقية باتجاه القضية الفلسطينية او اي قضيه تهم شعوب المنطقة.
إن قبول المقاومة بتسليم سلاحها هو الخطوة الاولى لتنفيذ الخيارات الأميركية-الإسرائيلية بعدم الانسحاب من لبنان، بل التوسّع أكثر، ليس على حدود الليطاني وإنما في كل الجغرافيا اللبنانية، وسَيُفرض التطبيع والسلام مع اسرائيل ولن يحمي المقاومين والوطنيين في لبنان، بل سيكرّر مشاهد مجازر صبرا وشاتيلا ومجازر العلويين في سوريا ومجازر الفلسطينيين في غزه والضفة.
إن الصبر الشجاع والعاقل رغم كل الخسائر والدماء والشهداء ،يبقى (الآن) هو الخيار الأسلم والأكثر واقعية وفائدة ،لإفشال المشروع الأميركي-الإسرائيلي.
ستتزايد الضربات الإسرائيلية المباشرة والإغتيالات الأمنية وربما الإستعانة بالجماعات التكفيرية(بعض النازحين السوريين) والعملاء اللبنانيين ،لبث الفوضى داخل مناطق “المجتمع المقاوم” المتمرّد والرافض للتطبيع والسلام مع إسرائيل، ولإثارة الناس ضد المقاومة وإنهاكهم حتى نهاية العام الحالي،إلا إذا استطاعت المقاومة ترميم نفسها قبل ذلك والعودة الى الميدان.
إن الحرب على المقاومة في لبنان ستكون اكثر شراسة وتوحشاً من أي ساحة أخرى،لأن القضاء عليها سيكون إنتصاراً استراتيجيا للمشروع الأميركي-الإسرائيلي ،بالقضاء على منظومة المقاومة المسلحة في المنطقة بعد تدجين الجيوش العربية وتفكيها .
بدأ التحالف الأميركي –الإسرائيلي النزول عن القمة وذروة القوة …وبدأ المشروع المقاوم بالصعود من أسفل القعر …وما النصر إلا صبر ساعة (قد تكون عاماً أو عامين).



