الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتبت هيام القصيفي في صحيفة الأخبار تقول:
التضامن الداخلي والمتابعة الخارجية للاعتداء الإسرائيلي على حزب الله وحجم العملية، عناصر يمكن البناء عليها في الانتقال الداخلي من مرحلة إلى أخرى، بدل انتظار التسويات الإقليمية
فرض استهداف إسرائيل لحزب الله، على يومين متتاليين، تغيّراً في الأجندة الخارجية تجاه الوضع اللبناني، بعد مرحلة وصلت فيها التهديدات الإسرائيلية الى الترجمة العملية. لكن التعامل مع الحدث الأمني ظلّ يتراوح بين صورة انفجار الرابع من آب، ولا سيما بعد انكشاف ما خلّفته الاعتداءات من إصابات بشرية عميقة، وبين العتبة التي يقف عندها هذا التطور الأمني في سياق المعركة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله. والمفارقة أن الموقف الخارجي، مع التنديد بحجم العملية ونوعيتها، ظلّ يتعامل معها على أنها حلقة، ولو خطرة جداً، من سلسلة الصراع والردود المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله. فهي أكثر من عملية أو عمليات اغتيال، وأقلّ من حرب واسعة. والتوقف عند نوع العملية ورصد تقنياتها وكيفية تنفيذها، هو جزء من مقاربة لتطور العمليات العسكرية، كما حصل مع بدايات الحرب بين أوكرانيا وروسيا، مع استخدام وسائل قتالية مختلفة عن السياق التقليدي للحرب، ومع رصد قدرات إسرائيل والحزب معاً في حجم الردود المتبادلة والقدرة التكنولوجية والعسكرية للطرفين. لكن، بالمعنى الأشمل، لا يزال التعامل مع الحدث على أنه مضبوط الإيقاع طالما أن هناك تسليماً بأن توقيت الحرب الشاملة لا يزال في يد إيران غير الراغبة في توسع المعركة حالياً. في المقابل، يخطو السعي الخارجي، الأميركي والأوروبي، نحو الإفادة ممّا حصل، لضبط الإيقاع اللبناني في صورة سريعة، كي لا يصبح الانهيار شاملاً، ولا سيما في ضوء جوّ الالتفاف الداخلي مع حزب الله. فقد حافظ الموقف السياسي من جانب خصوم حزب الله على سياق أخلاقي في التضامن الإنساني مع ما تعرّض له الحزب من اعتداء إسرائيلي غير مسبوق، والحزب يدرك أن هذه اللحظة لحظة تعاطف كبير من جانب ألدّ خصومه، مع تبيان تدريجي لحجم الإصابات ونوعيتها واستهداف المدنيين في حرب غير موصوفة. والموقف الأخلاقي في السياسة يختلف تماماً عن الموقف من الحدث ذاته ونسبته الى أصل المعركة التي دخلها حزب الله في مساندة حركة حماس في غزة. لكن، إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يبنى على هذا الموقف، بعيداً عن «اللياقات» اللبنانية التقليدية، ما بعد المرحلة الآنية واستيعاب الحزب للعملية ونتائجها، وإن ظلّت الاختلافات قائمة بين الحزب وخصومه وحتى بعض حلفائه. وهذا يفترض أن يكون من مسؤولية الأطراف الثلاثة.
العقلانية التي تعاطى بها الحزب مع الحدث الأمني تعكس في مكان ما الرغبة في الحفاظ على وتيرة متّزنة للحرب
والعقلانية التي تعاطى بها الحزب وأوساطه مع الحدث الأمني وحجم الردّ المتوقع عليه تعكس في مكان ما الرغبة في الحفاظ على وتيرة متّزنة من الحرب ذاتها، ليس بمعنى القبول بوقف حرب الإسناد، وإنما ببقاء سقف مدروس لتوسّعها، وإن تصاعدت حدّتها وانعكست عليه في بيئته العسكرية والمدنية. وإذا كانت العمليات الأمنية ليومين متتاليين فتحت الباب أمام الحزب للشروع في تحقيقات ومراجعات داخلية تتطوّر تدريجاً منذ عمليات الاغتيال جنوباً الى عملية اغتيال المسؤول العسكري فؤاد شكر، إلا أنّ المظلة العسكرية الكبرى تأخذ في الحسبان عوامل أخرى تتعلق بالمنطقة وظروفها وتبعات الانتقال من مرحلة قاسية الى مرحلة أقسى. ما يقال في السياسة كترجمة لما حصل هو الأسئلة المفتوحة عن احتمالات الفصل بين الجبهة وبين الداخل، واحتمال الارتداد الداخلي الإيجابي الذي يعوّل عليه من جانب خصوم الحزب وحتى من حلفائه. واستطراداً تلمّس احتمال أن ينعكس الحدث الأمني الذي لم يعد محصوراً بمنطقة جغرافية ولا بالإطار العسكري البحت للحزب، نحو إعادة لملمة الوضع الداخلي في شكل يعيد تركيب الإطار السياسي ويسمح بالتفلّت من انتظار التسويات الداخلية. ويسمح كذلك بإعادة بناء الحدّ الأدنى من مقوّمات الدولة ومؤسساتها، وهي التي حافظت في اليومين الماضيين على مستوى معيّن من التواصل الداخلي والخارجي لمواكبة تداعيات الاعتداء الإسرائيلي.
والالتفات نحو الداخل يصبح مسؤولية الحزب وخصومه، لأن الحدث الأمني بمندرجاته غير المعلومة يؤشر الى مرحلة قد تكون أخطر تقبل عليها إسرائيل، وهذا التهديد الذي ينقل مراراً على لسان وسطاء من أن إسرائيل تفضّل عمليات «موجعة» بدل حرب واسعة، لا يمكن حصر تداعياتها ولا جغرافيتها ولا حيثياتها، كما حصل في اليومين الماضيين من عمل غير مسبوق بالمعنى العسكري والأمني، لأن المسار الإسرائيلي على أعتاب السنة الثانية من الحرب المتواصلة يدلّ على أن المعركة طويلة، وأن استهداف الحزب مستمر بإيقاعات مختلفة، ما يفترض أن العودة الإيجابية الى الداخل يمكن البناء عليها، في مرحلة تحدّيات تكبر تدريجاً. فما بدأ منذ سنة، جنوباً، تبدّل جذرياً على مشارف مرحلة دولية وإقليمية جديدة. واستهداف الحزب أصبح متقدماً على اللائحة الإسرائيلية، في وقت لم تعد هناك في الداخل الأدوات اللازمة لمرحلة مستقبلية، مهما تطوّر شكل المعركة مع إسرائيل، لأنّ ثمّة فارقاً بين الأهداف العسكرية للعملية التي بدأت بعد 7 تشرين، والتي لا يبدو أنها ستتوقف قريباً، وترك الوضع الداخلي على هذا القدر من الانهيار.